اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ} (53)

فصل{[31614]}

يرجع{[31615]} حاصل البحث إلى أن الغرض من هذه الآية بيان أن الرسل الذين أرسلهم الله وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم فلم يعصمهم عن جواز السهو{[31616]} ووسوسة الشيطان بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر ، فالواجب أن لا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم ، وذلك هو المحكم . وقال أبو مسلم : معنى الآية أنه لم يرسل نبياً إلا إذا تمنى كأنه قيل : وما أرسلنا إلى البشر ملكاً{[31617]} ( وما أرسلنا إليهم نبياً إلا منهم ) {[31618]} ، وما أرسلنا من نبي خلا عند{[31619]} تلاوته من وسوسة الشيطان ، وأن يلقي في خاطره ما يضاد الوحي ويشغله عن حفظه فيثبت الله النبي على الوحي وعلى حفظه ويعلمه صواب ذلك ، وبطلان ما يكون من الشيطان ، قال : وفيما تقدم من قوله : { قُلْ يا أيها الناس إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }{[31620]} [ الحج : 49 ] تقوية لهذا التأويل ، كأنه تعالى أمره أن يقول للكافرين : أنا نذير لكم لكني من البشر لا من الملائكة ، ولم يرسل الله قبلي ملكاً ، وإنما أرسل رجالاً فقد يوسوس الشيطان إليهم .

فإن قيل : هذا إنما يصح لو كان السهو لا يجوز على الملائكة . قلنا : إذا كانت الملائكة أعظم درجة من الأنبياء لم يلزم من استيلائهم بالوسوسة على الأنبياء استيلائهم بالوسوسة على الملائكة . واعلم أنه لما شرح حال هذه الوسوسة أردف ذلك ببحثين :

الأول : كيفية إزالتها ، وهو قوله : { فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ } والمراد إزالته وإزالة تأثيره ، وهو النسخ اللغوي ، لا{[31621]} النسخ الشرعي المستعمل في الأحكام .

وأما قوله : { ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ } فإذا حمل التمني على القراءة فالمراد به آيات القرآن ، وإلا فيُحمل على أحكام الأدلة التي لا تجوز فيها الغلط .

البحث الثاني : أنه تعالى بين{[31622]} أثر تلك الوسوسة شرح أثرها في حق الكفار أولاً ثم في حق المؤمنين ثانياً ، أما في حق الكفار فهو قوله : { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً } ، وذلك أنهم افتتنوا{[31623]} لما سمعوا ذلك ، والمراد به تشديد التبعد ، لأن ما يظهر من الرسول - عليه السلام{[31624]} - من الاشتباه في القراءة سهواً يلزمهم البحث عن ذلك ليميزوا السهو من العمد ، وليعلموا أن العمد صواب والسهو قد لا يكون صواباً .

ثم قال : { لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } شك ونفاق ، وخصهم بذلك ، لأنهم مع كفرهم محتاجون إلى التدبر . ( وأما المؤمنون فقد تقدم علمهم بذلك فلا يحتاجون إلى التدبر ){[31625]} وأما القاسية قلوبهم فهم المشركون المصرون على جهلهم باطناً وظاهراً . ثم قال : { وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } يريد أن هؤلاء المنافقين والمشركين . والمعنى : وإنهم . فوضع الظاهر موضع المضمر ، قضى عليهم بالظلم وأبرزهم ظاهرين للشهادة عليهم بهذه الصفة الذميمة . والشقاق الخلاف الشديد والمعاداة والمباعدة سواء .


[31614]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/55 – 56.
[31615]:في ب: رجع. وهو تحريف.
[31616]:في ب: الشهوة. وهو تحريف.
[31617]:ما بين القوسين سقط من ب.
[31618]:في ب: عن.
[31619]:الآية (49) من السورة نفسها.
[31620]:بين: سقط من ب.
[31621]:في ب: لأن. وهو تحريف.
[31622]:بين: سقط من ب.
[31623]:في ب: فتنوا.
[31624]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[31625]:ما بين القوسين سقط من الأصل.