معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (147)

قوله تعالى : { وما كان قولهم } . نصب على خبر كان ، والاسم في أن قالوا : معناه وما كان قولهم عند قتل نبيهم .

قوله تعالى : { إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا } . أي : الصغائر .

قوله تعالى : { وإسرافنا في أمرنا } . أي : الكبائر .

قوله تعالى : { وثبت أقدامنا } . كي لا تزل .

قوله تعالى : { وانصرنا على القوم الكافرين } . فيقول : فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (147)

ثم ذكر قولهم واستنصارهم لربهم ، فقال : { وما كان قولهم } أي : في تلك المواطن الصعبة { إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا } والإسراف : هو مجاوزة الحد إلى ما حرم ، علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان ، وأن التخلي منها من أسباب النصر ، فسألوا ربهم مغفرتها .

ثم إنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر ، بل اعتمدوا على الله ، وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين ، وأن ينصرهم عليهم ، فجمعوا بين الصبر وترك ضده ، والتوبة والاستغفار ، والاستنصار بربهم ،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (147)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَن قَالُواْ ربّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيَ أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : { وَما كانَ قَوْلَهُمْ } : وما كان قول الربيين . والهاء والميم من ذكر أسماء الربيين . { إلاّ أنْ قالُوا } يعني ما كان لهم قول سوى هذا القول إذ قتل نبيهم . وقوله : { رَبّنا اغْفِرْ لنا ذُنُوبَنا } يقول : لم يعتصموا إذ قتل نبيهم إلا بالصبر على ما أصابهم ، ومجاهدة عدوّهم ، وبمسألة ربهم المغفرة والنصر على عدوّهم . ومعنى الكلام : { وَما كانَ قَوْلَهُمْ إلاّ أنْ قالُوا رَبّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا } . وأما الإسراف : فإنه الإفراط في الشيء ، يقال منه : أسرف فلان في هذا الأمر إذا تجاوز مقداره فأفرط ، ومعناه ههنا : اغفر لنا ذنوبنا الصغار منها وما أسرفنا فيه منها فتخطينا إلى العظام . وكان معنى الكلام : اغفر لنا ذنوبنا ، الصغائر منها والكبائر . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قول الله : { وَإسْرَافَنا في أمْرِنا } قال : خطايانا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أيو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَإسْرَافَنا في أمْرِنا } : خطايانا وظلمنا أنفسنا .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد الله بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك في قوله : { وَإسْرَافَنا في أمْرِنا } يعني : الخطايا الكبار .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : الكبائر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وَإسْرَافَنا في أمْرِنا } قال : خطايانا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَإسْرَافَنا في أمْرِنا } يقول : خطايانا .

وأما قوله : { وَثَبّتْ أقْدَامَنا } فإنه يقول : اجعلنا ممن يثبت لحرب عدوّك وقتالهم ، ولا تجعلنا ممن ينهزم فيفرّ منهم ، ولا يثبت قدمه في مكان واحد لحربهم . { وَانْصُرْنا على القَوْمِ الكافِرِينَ } يقول : وانصرنا على الذين جحدوا وحدانيتك ونبوّة نبيك . وإنما هذا تأنيب من الله عزّ وجلّ عباده الذين فرّوا عن العدوّ يوم أحد وتركوا قتالهم ، وتأديب لهم ، يقول الله عزّ وجلّ : هلا فعلتم إذ قيل لكم : قتل نبيكم ، كما فعل هؤلاء الربيون ، الذين كانوا قبلكم من أتباع الأنبياء ، إذ قتلت أنبياؤهم ، فصبرتم لعدوكم صبرهم ، ولم تضعفوا وتستكينوا لعدوكم ، فتحاولوا الارتداد على أعقابكم ، كما لم يضعف هؤلاء الربيون ولم يستكينوا لعدوّهم ، وسألتم ربكم النصر والظفر كما سألوا ، فينصركم الله عليهم كما نصروا ، فإن الله يحبّ من صبر لأمره وعلى جهاد عدوّه ، فيعطيه النصر والظفر على عدوّه . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَما كانَ قَوْلَهُمْ إلاّ أنْ قالُوا رَبّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإسْرَافَنا في أمْرِنا وَثَبّتْ أقْدَامَنا وَانْصُرْنا على القَوْمِ الكافِرِينَ } : أي فقولوا كما قالوا ، واعلموا أنما ذلك بذنوب منكم ، واستغفروا كما استغفروا ، وامضوا على دينكم كما مضوا على دينهم ، ولا ترتدّوا على أعقابكم راجعين ، واسألوه كما سألوه أن يثبت أقدامكم ، واستنصروه كما استنصروه على القوم الكافرين . فكل هذا من قولهم قد كان وقد قتل نبيهم ، فلم يفعلوا كما فعلتم .

والقراءة التي هي القراءة في قوله : { وَما كانَ قَوْلَهُمْ } النصب لإجماع قراء الأمصار على ذلك نقلاً مستفيضا وراثة عن الحجة . وإنما اختير النصب في القول ، لأن «إلا أن » لا تكون إلا معرفة ، فكانت أولى بأن تكون هي الاسم دون الأسماء التي قد تكون معرفة أحيانا ونكرة أحيانا ، ولذلك اختير النصب في كل اسم ولي «كان » إذا كان بعده «أن » الخفيفة ، كقوله : { فَما كانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاّ أنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أوْ حَرّقُوهُ } وقوله : { ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إلاّ أنْ قالُوا } . فأما إذا كان الذي يلي كان اسما معرفة ، والذي بعده مثله ، فسواء الرفع والنصب في الذي ولي «كان » ، فإن جعلت الذي ولي «كان » هو الاسم رفعته ونصبت الذي بعده ، وإن جعلت الذي ولي «كان » هو الخبر نصبته ورفعت الذي بعده ، وذلك كقوله جلّ ثناؤه : { ثُمّ كانَ عاقِبَةَ الّذِينَ أساءُوا السّوأى } إن جعلت «العاقبة » الاسم رفعتها ، وجعلت «السوأى » هي الخبر منصوبة ، وإن جعلت «العاقبة » الخبر نصبت ، فقلت : وكان عاقبة الذين أساءوا السوأى ، وجعلت السوأى هي الاسم ، فكانت مرفوعة ، وكما قال الشاعر :

لقدْ عَلِمَ الأقوَامُ ما كانَ دَاءَها *** بَثهْلانَ إلا الخِزْيُ مِمّنْ يَقُودُها

رُوى أيضا : «ما كان داؤها بثهلان إلا الخزيَ » ، نصبا ورفعا ، على ما قد بينت ، ولو فعل مثل ذلك مع «أن » كان جائزا ، غير أن أفصح الكلام ما وصفت عند العرب .