معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (54)

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (54)

ولكن كثيرا من الناس يظلمون أنفسهم ، ويجحدون نعمة الله عليهم ، إذا نجاهم من الشدة ، فصاروا في حال الرخاء ، أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة ، ولهذا قال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (54)

ثم استعمل فى رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.

أى: كل ما يصاحبكم من نعمة فهو من الله - تعالى - فكان من الواجب عليكم أن تشكروه على ذلك، ولكنكم لم تفعلوا، فإنكم إذا نزل بكم الضر، صحتم بالدعاء، ورفعتم أصواتكم بالتضرع، ليكشف عنكم ما حل بكم، فإذا ما كشف - سبحانه - عنكم الضر، سرعان ما يقع فريق منكم فى الشرك الذى نهى الله - تعالى - عنه.

و " ثم " فى هاتين الآيتين للتراخى الرتبى، لبيان الفرق الشاسع بين حالتهم الأولى وحالتهم الثانية.

والتعبير بالمس فى قوله { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ?لضُّرُّ.. } للإِيماء بأنهم بمجرد أن ينزل بهم الضر ولو نزولا يسيرا، جأروا إلى الله - تعالى - بالدعاء لكشفه.

وقدم - سبحانه - الجار والمجرور فى قوله { فإليه تجأرون } لإِفادة القصر، أى إليه وحده ترفعون أصواتكم بالدعاء ليرفع عنكم ما نزل بكم من بلاء، لا إلى غيره؛ لأنكم تعلمون أنه لا كاشف للضر إلا هو - سبحانه -.

و " إذا " الأولى فى قوله { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ.. } شرطية والثانية وهى قوله { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم.. } فجائية، وهى جواب الأولى.

وهذا التعبير يشير إلى مسارعة فريق من الناس، إلى جحود نعم الله - تعالى - بمجرد أن يكشف عنهم الضر بدون تريث أو تمهل.

وقال - سبحانه - { فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } لتسجيل الشرك على هذا الفريق ولإِنصاف غيره من المؤمنين الصادقين، الذين يشكرون الله - تعالى - فى جميع الأحوال، ويواظبون على أداء ما كلفهم به فى السراء والضراء.

وهذا المعنى الذى تضمنته هاتان الآيتان، قد جاء ما يشبهه فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى:

{ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ?لإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ?لشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ }

وقوله - سبحانه -:

{ وَإِذَا مَسَّ ?لإِنسَانَ ?لضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى? ضُرٍّ مَّسَّهُ.. }

فهذه الآيات الكريمة تصور الطبائع البشرية أكمل تصوير وأصدقه، إذ الناس - إلا من عصم الله - يجأرون إلى الله - تعالى - بالدعاء عند الشدائد والمحن، وينسونه عند السراء والرخاء.

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (54)

{ ثم إذا كشف الضّر عنكم إذا فريق منكم } وهم كفاركم . { بربهم يشركون } بعبادة غيره ، هذا إذا كان الخطاب عاما ، فإن كان خاصا بالمشركين ، كان من للبيان ، كأنه قال : إذا فريق ، وهم أنتم ، ويجوز أن تكون " من " للتبعيض ، على أن يعتبر بعضهم ، كقوله تعالى : { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (54)

و { الضر } وإن كان يعم كل مكروه ، فأكثر ما يجيء عبارة عن أرزاء البدن ، و { تجأرون } معناه ترفعون أصواتكم باستغاثة وتضرع ، وأصله في جؤار الثور ، والبقرة وصياحها ، وهو عند جهد يلحقها ، أو في أثر دم يكون من بقر تذبح ، فذلك الصراخ يشبه به انتحاب الداعي المستغيث بالله إذ رفع صوته ، ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]

يراوح من صلوات الملي . . . ك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا{[7340]}

وأنشده أبو عبيدة :

بأبيل كلما صلى جأر{[7341]} . . . والأصوات تأتي غالباً على فعال أو فعيل : وقرأ الزهري «يجَرَون » بفتح الجيم دون همز ، حذفت الهمزة وألقيت حركتها على الجيم ، كما خففت «تسلون » من «تسألون » ، وقوله { ثم إذا كشف الضر } قرأ الجمهور «كشف » ، وقرأ قتادة «كاشف » ، ووجهها أنها فاعل من واحد بمعنى كشف وهي ضعيفة ، و { فريق } هنا يراد به المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالاً من شفاء المرض وجلب الخير ودفع الضر ، فهم إذا شفاهم الله عظموا أصنامهم ، وأضافوا ذلك الشفاء إليها .


[7340]:هذا البيت من قصيدة للأعشى يمدح بها قيس بن معد يكرب، وقبله يقول: و ما أيبلي على هيكـــــــــل بناه وصلب فيه و صـــــــــــــــــارا والأيبلي: الراهب: أو رئيس الرهبان، أو الذي حرم على نفسه النساء، والهيكل: مكان في صدر الكنيسة يقدم فيه القربان، و صلب: صور صورة الصليب، وصار: صور كما قال في اللسان عن أبي علي الفارسي، والمراد أنه رسم صورة الصليب بيده فأشار إلى جبهته فقلبه، ثم إلى صدره يسرة ويمنة، والمراوحة: المداولة بين الأمرين أو العملين، يفعل هذا مرة، وذاك مرة، وهما هنا السجود والجؤار، و جأر رفع صوته بالدعاء والاستغاثة، و المعنى الذي يقوله الأعشى هو: إن الراهب المتبتل الضارع إلى الله في الهيكل المقدس أمام الصليب، الدائب على السجود والاستغاثة والتضرع إلى الله ـ ليس بأعظم منه ولا أكثر تقى . . . وخبر (ما) يأتي في بيت تال لهذا حيث يقول: بأعظم منه تقى في الحســـــــــــــاب إذا النسمات نفضن الغبــــــــــــارا
[7341]:هذا عجز بيت قاله عدي بن زيد، والبيت بتمامه: إنني والله فاسمع حلفــــــــــــــي بأبيل كلما صلى جـــــــــأر والأبيل بوزن أمير: الراهب، وهو الأيبلي والأيبل ـ على خلاف بين اللغويين ـ وفي الحديث: (كان عيسى بن مريم ـ على نبينا وعليه الصلاة والسلام ـ يسمى أبيل الأبيلين)، وقد سمي الراهب بذلك لتأبله عن النساء وترك غشيانهن، والفعل منه: أبل يأبل أبالة إذا تنسك وترهب.