إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (54)

{ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ } وقرئ " كاشَفَ الضر " ، وكلمةُ " ثم " ليست للدلالة على تمادي زمانِ مِساس الضرّ ووقوعِ الكشفِ بعد برهة مديدةٍ ، بل للدلالة على تراخي رتبةِ ما يترتب عليه من مفاجأة الإشراك المدلولِ عليها بقوله سبحانه : { إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ } فإنّ ترتبها على ذلك في أبعد غايةٍ من الضلال ، ثم إن وُجّه الخطابُ إلى الناس جميعاً ف " مِن " للتبعيض والفريقُ فريقُ الكفرة ، وإن وجه إلى الكفرة ف " من " للبيان ، كأنه قيل : إذا فريق كافرون أنتم . ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر وازدجر ، كقوله تعالى : { فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } ف " من " تبعيضية أيضاً ، والتعرضُ لوصف الربوبية ؛ للإيذان بكمال قبحِ ما ارتكبوه من الإشراك والكفران .