البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (54)

ولما ذكر تعالى أنّ جميع النعم منه ذكر حالة افتقار العبد إليه وحده ، حيث لا يدعو ولا يتضرع لسواه ، وهي حالة الضر والضر ، يشمل كل ما يتضرر به من مرض أو فقر أو حبس أو نهب مال وغير ذلك .

وقرأ الزهري : تجرون بحذف الهمزة ، وإلقاء حركتها على الجيم .

وقرأ قتادة : كاشف ، وفاعل هنا بمعنى فعل ، وإذا الثانية للفجاءة .

وفي ذلك دليل على أنّ إذا الشرطية ليس العامل فيها الجواب ، لأنه لا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها .

ومنكم : خطاب للذين خوطبوا بقوله : وما بكم من نعمة ، إذ بكم خطاب عام .

والفريق هنا هم المشركون المعتقدون حالة الرجاء أنّ آلهتهم تنفع وتضر وتشقى .

وعن ابن عباس : المنافقون .

وعن ابن السائب : الكفار .

ومنكم في موضع الصفة ، ومِنْ للتبعيض ، وأجاز الزمخشري أن تكون من للبيان لا للتبعيض قال : كأنه قال فإذا فريق كافر وهم أنتم .

قال : ويجوز أن تكون فيهم من اعتبر كقوله : { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } انتهى واللام في ليكفروا ، إن كانت للتعليل كان المعنى : أنّ إشراكهم بالله سببه كفرهم به ، أي جحودهم أو كفران نعمته ، وبما آتيناهم من النعم ، أو من كشف الضر ، أو من القرآن المنزل إليهم .