{ 22 } { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ }
أي : لا أحد أظلم ، وأزيد تعديًا ، ممن ذكر بآيات ربه ، التي أوصلها إليه ربه ، الذي يريد تربيته ، وتكميل نعمته على أيدي رسله ، تأمره ، وتذكره مصالحه الدينية والدنيوية ، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية ، التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم ، والانقياد والشكر ، فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي ، فلم يؤمن بها ، ولا اتبعها ، بل أعرض عنها وتركها وراء ظهره ، فهذا من أكبر المجرمين ، الذين يستحقون شديد النقمة ، ولهذا قال : { إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ }
ثم بين - سبحانه - حال من يدعى إلى الهدى فيعرض عنه ، فقال : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } .
أى : لا أحد أشد ظلماً وكفراً ممن ذكره المذكر بالآيات الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وعلى أن دين الإِسلام هو الحق ، ثم أعرض عنها جحوداً وعناداً .
{ إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ } أى : إنَّا من أهل الإِجرام والجحود لآياتنا منتقمون انتقاماً يذلهم ويهينهم .
قال صاحب الكشاف : " ثم " فى قوله { ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } للاستبعاد .
والمعنى : أن الإِعراض عن مثل آيات الله ، فى وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل ، والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد فى العقل والعدل . كما تقول لصاحبك : وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها ، استبعاداً لتركه الانتهاز .
لا يشكف الغماء إلا ابن حرة . . . يرى غمرات الموت ثم يزورها
استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها .
فإن قلت : هلا قيل : إنا منه منتقمون ؟ قلت : لما جعله أظلم كل ظالم ، ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم ، فقد دل على إصابة الأظلم بالنصيب والأوفر من الانتقام ، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الإِفادة .
وقوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } أي : لا أظلم ممن ذَكَّرَه الله بآياته وبينها له ووضحها ، ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها ، كأنه لا يعرفها .
قال قتادة ، رحمه الله : إياكم والإعراض عن ذكر الله ، فإن مَنْ أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرَّة ، وأعوز أشد العَوَز{[23148]} ، وعظم من أعظم الذنوب .
ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك : { إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } أي : سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام .
وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكِلاعي ، حدثنا محمد بن المبارك ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله ، عن عبادة بن نُسَيّ ، عن جنادة بن أبي أمية{[23149]} عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ثلاث من فعلهن فقد أجرم ، من عقد{[23150]} لواء في غير حق ، أو عقَّ والديه ، أو مشى مع ظالم ينصره ، فقد أجرم ، يقول الله تعالى : { إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } {[23151]}
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث إسماعيل بن عياش ، به ، وهذا حديث غريب جدًا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.