روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22)

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بئايات رَبّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } بيان إجمالي لمن قابل آيات الله تعالى بالإعراض بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد ، وكلمة { ثُمَّ } لاستبعاد الإعراض عنها عقلاً مع غاية وضوحها وإرشادها إلى سعادة الدارين كما في قول جعفر بن علية الحارثي :

ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة *** يرى غمرات الموت ثم يزورها

والمراد أن ذلك أظلم من كل ظالم { إِنَّا مِنَ المجرمين } قيل : أي من كل من اتصف بالإجرام وكسب الأمور المذمومة وإن لم يكن بهذه المثابة { مُنتَقِمُونَ } فكيف ممن هو أظلم ممن هو أظلم من كل ظالم وأشد جرماً من كل جازم ، ففي الجملة إثبات الانتقام منه بطريق برهاني .

وجوز أن يراد بالمجرم المعرض المذكور وقد أقيم المظهر مقام المضمر الراجع إلى { مِنْ } باعتبار معناها وكان الأصل أنا منهم منتقمون ليؤذن بأن علة الانتقام ارتكاب هذا المعرض مثل هذا الجرم العظيم : وفسر البغوي المجرمين هنا بالمشركين . وقال الطيبي عليه الرحمة بعد حكايته : ولا ارتياب أن الكلام في ذم المعرضين وهذا الأسلوب أذم لأنه يقرر أن الكافر إذا وصف بالظلم والإجرام حمل على نهاية كفره وغاية تمرده ولأن هذه الآية كالخاتمة لأحوال المكذبين القائلين : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } والتخلص إلى قصة الكليم مسلاة لقلب الحبيب عليهما الصلاة والسلام إلى آخر ما ذكره فليراجع .