نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22)

ولما كان التقدير : يرجعون عن{[54826]} ظلمهم فإنهم ظالمون ، عطف عليه قوله : { ومن أظلم } منهم هكذا كان{[54827]} الأصل ولكنه أظهر الوصف الذي صاروا أظلم فقال : { ممن ذكر } أي من أيّ مذكر كان وصرف القول إلى صفة الإحسان استعطافاً وتنبيهاً على وجوب الشكر فقال : { بآيات ربه } أي الذي لا نعمة عنده إلا منه .

ولما بلغت هذه الآيات من الوضوح أقصى الغايات ، فكان الإعراض عنها مستبعداً بعده{[54828]} ، عبر عنه بأداة البعد لذلك فقال : { ثم أعرض عنها } ضد ما عمله الذين{[54829]} لم يتمالكوا أن خروا سجداً ، ويجوز - وهو أحسن - أن يكون " ثم " على بابها للتراخي ، ليكون المعنى أن من وقع له التذكير بها في وقت ما ، فأخذ يتأمل فيها ثم أعرض عنها بعد ذلك ولو بألف عام فهو أظلم الظالمين ، ويدخل فيه ما دون ذلك من باب الأولى لأنه أجدر بعدم{[54830]} النسيان ، فهي أبلغ من التعبير بالفاء كما في سورة الكهف ، ويكون عدل إلى الفاء هناك شرحاً لما يكون من حالهم ، عند بيان سؤالهم ، الذي جعلوا بيانه آية الصدق ، والعجز عنه آية الكذب .

ولما كان الحال مقتضياً للسؤال عن جزائهم ، وكان{[54831]} قد أفرد الضمير باعتبار لفظ " من " تنبيهاً على قباحة الظلم من كل فرد ، قال جامعاً لأن إهانة الجمع دالة على إهانة الواحد من باب الأولى ، مؤكداً لإن إقدامهم على التكذيب كالإنكار لأن تجاوزوا عليه ، صارفاً{[54832]} وجه الكلام عن صفة الإحسان إيذاناً بالغضب : { إنا } منهم ، هكذا كان الأصلي ، ولكنه أظهر الوصف نصفاً في التعميم وتعليقاً للحكم به معيناً لنوع ظلمهم تبشيعاً له فقال : { من المجرمين } أي{[54833]} القاطعين{[54834]} لما يستحق{[54835]} الوصل خاصة { منتقمون } وعبر بصيغة العظمة تنبيهاً على أن الذي يحصل لهم من العذاب لا يدخل تحت الوصف على جرد العداد في الظالمين ، {[54836]}فكيف وقد كانوا{[54837]} أظلم الظالمين ؟ والجملة الاسمية تدل على دوام ذلك عليهم في الدنيا إما باطناً بالاستدراج بالنعم ، وإما ظاهراً بإحلال النقم ، وفي الآخرة بدوام العذاب على مر{[54838]} الآباد .


[54826]:زيد من ظ وم ومد.
[54827]:زيد من ظ وم ومد.
[54828]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بعد.
[54829]:في ظ: الذي.
[54830]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بعد.
[54831]:زيد من ظ وم ومد.
[54832]:في م: لافتا.
[54833]:زيد من ظ وم ومد.
[54834]:زيد في الأصل: الظالمين، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[54835]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[54836]:في ظ: فكانوا، وفي مد: فكيف إذا كانوا.
[54837]:في ظ: فكانوا، وفي مد: فكيف إذا كانوا.
[54838]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مني.