الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22)

ثم في قوله : { ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } للاستبعاد . والمعنى : أنّ الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل ، كما تقول لصاحبك : وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعاداً لتركه الانتهاز . ومنه ثم في بيت الحماسة :

لاَ يَكْشِفُ الغُمَّاءَ إلاَّ ابْنُ حُرَّةٍ *** يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا

استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدّتها .

فإن قلت : هلا قيل : إنا منه منتقمون ؟ قلت : لما جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم ، فقد دلّ على إصابة الأظلم النصيب الأوفر من الانتقام ، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الفائدة .