البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22)

{ ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها } ، بخلاف المؤمنين ، إذا ذكروا بها خروا سجداً .

{ ثم أعرض عنها } ، قال الزمخشري : ثم للاستبعاد ، والمعنى : أن الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل ، والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل ؛ والعادة ، كما تقول لصاحبك : وجدت مثل تلك الفرصة ، ثم لم تنتهزها استبعاداً لتركه الانتهاز ، ومنه ثم في بيت الشاعر :

ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة *** يرى غمرات الموت ثم يزورها

استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها . انتهى .

{ من المجرمين } : عام في كل من أجرم ، فيندرج فيه بجهة الأولوية من كان أظلم ظالم ؛ والإجرام هنا : هو : الكفر .

وقال يزيد بن رفيع : هي في أهل القدر ، وقرأ : { إن المجرمين } إلى قوله : { بقدر } وفي الحديث : « ثلاث من كن فيه فقد أجرم : من عقد لواء في غير حق ، ومن عق والديه ، ومن نصر ظالماً » .