معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

قوله تعالى : { وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده } أي : صل له شكراً على نعمه . وقيل : قل : سبحان الله ، والحمد لله . { وكفى به بذنوب عباده خبيراً } عالماً بصغيرها وكبيرها ، فيجازيهم بها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

ثم أمره أن يتوكل عليه ويستعين به فقال : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ } الذي له الحياة الكاملة المطلقة { الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أي : اعبده وتوكل عليه في الأمور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق . { وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا } يعلمها ويجازي عليها .

فأنت ليس عليك من هداهم شيء وليس عليك حفظ أعمالهم ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

ثم أمر - سبحانه - نبيه صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فى تبليغ رسالته وبالتوكل عليه وحده ، فقال - تعالى - : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ . . . } .

أى : سر فى طريقك - أيها الرسول الكريم - لتبليغ دعوتنا ، ولا تلتفت إلى دنيا الناس وأموالهم . وتوكل توكلا تاما على الله - تعالى - فهو الحى الباقى الذى لا يموت ، أما غيره فإنه ميت وزائل .

{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أى : ونزه ربك عن كل نقص ، وأكثر من التقرب إليه بصالح الأعمال . { وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ } ما ظهر منها وما بطن ، وما بدا منها وما استتر { خَبِيراً } أى عليما بها علما تاما ، لا يعزب عنه - سبحانه - مثقال ذرة منها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

ثم قال : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ } أي : في أمورك كلها كُن متوكلا على الله الحي الذي لا يموت أبدا ، الذي هو { الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الحديد : 3 ] الدائم الباقي السرمدي الأبدي ، الحي القيوم ربّ كل شيء ومليكه ، اجعله ذُخْرك وملجأك ، وهو الذي يُتَوكل عليه ويفزع إليه ، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نُفَيْل قال : قرأت على مَعْقِل - يعني ابن عبيد الله - عن عبد الله بن أبي حسين ، عن شَهْر بن حَوْشَب قال : لقي سلمانُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض فجاج{[21563]} المدينة ، فسجد له ، فقال : " لا تسجد لي يا سلمان ، واسجد للحي الذي لا يموت " وهذا مرسل حسن{[21564]} .

[ وقوله تعالى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } ، أي : اقرن بين حمده وتسبيحه ]{[21565]} ؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سبحانك اللهم رَبَّنا وبحمدك " أي : أخلص له العبادة والتوكل ، كما قال تعالى : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [ المزمل : 9 ] .

وقال : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [ هود : 123 ] { قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [ الملك : 29 ] .

وقوله : { وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا } أي : لعلمه{[21566]} التام الذي لا يخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة .


[21563]:- في أ : "مخارج".
[21564]:- ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/103) من طريق محمد بن أحمد بن سيار عن هشام عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين به
[21565]:- زيادة من ف ، أ.
[21566]:- في ف ، أ : "بعلمه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَوَكّلْ عَلَى الْحَيّ الّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىَ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } .

يقول تعالى ذكره : وتوكل يا محمد على الذي له الحياة الدائمة التي لا موت معها . فثق به في أمر ربك ، وفوّض إليه ، واستسلم له ، واصبر على ما نابك فيه . قوله : وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ يقول : واعبده شكرا منك له على ما أنعم به عليك . قوله : وكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عبادِهِ خَبِيرا يقول : وحسبك بالحي الذي لا يموت خابرا بذنوب خلقه ، فإنه لا يخفى عليه شيء منها ، وهو محصٍ جميعها عليهم حتى يجازيهم بها يوم القيامة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

عطف على جملة { قل ما أسألكم عليه من أجر } [ الفرقان : 57 ] أي قل لهم ذلك وتوكل على الله في دعوتك إلى الدين فهو الذي يجازيك على ذلك ويجازيهم .

والتوكل : الاعتماد وإسلام الأمور إلى المتوكل عليه وهو الوكيل ، أي المتولّي مهمّات غيره ، وقد تقدم في قوله تعالى : { فإذا عزمتَ فتوكَّل على الله } في آل عمران ( 159 ) .

و { الحي الذي لا يموت } هو الله تعالى . وعدل عن اسم الجلالة إلى هذين الوصفين لما يؤذن به من تعليل الأمر بالتوكل عليه لأنه الدائم فيفيد ذلك معنى حصْر التوكل في الكون عليه ، فالتعريف في { الحي } للكامل ، أي الكامل حياته لأنها واجبة باقية مستمرة وحياة غيره معرضة للزوال بالموت ومعرضة لاختلال أثرها بالذهول كالنوم ونحوه فإنه من جنس الموت ، فالتوكل على غيره معرض للاختلال وللانخرام . وفي ذكر الوصفين تعريض بالمشركين إذ ناطوا آمالهم بالأصنام وهي أموات غير أحياء .

وفي الآية إشارة إلى أن المرء الكامل لا يثق إلا بالله لأن التوكل على الأحياء المعرضين للموت وإن كان قد يفيد أحياناً لكنه لا يدوم .

وأما أمره بالتسبيح فهو تنزيه الله عما لا يليق به وأول ذلك الشركة في الإلهية ، أي إذا أهمّك أمر إعراض المشركين عن دعوة الإسلام فعليك نفسك فنزه الله .

والباء في { بحمده } للمصاحبة ، أي سبحه تسبيحاً مصاحباً للثناء عليه بما هو أهله . فقد جمع له في هذا الأمر التخلية والتحلية مقدِّماً التخلية لأن شأن الإصلاح أن يبدأ بإزالة النقص .

وأمْر النبي صلى الله عليه وسلم يشمل الأمة ما لم يكن دليل على الخصوصية .

وجملة { وكفى به بذنوب عباده خبيراً } اعتراض في آخر الكلام ، فيفيد معنى التذييل لما فيه من الدلالة على عموم علمه تعالى بذنوب الخلق ، ومن ذلك أحوال المشركين الذين هم غرض الكلام . ففي ( ذنوب عباده ) عُمومان : عمومُ ذنوبهم كلّها لإفادة الجمع المضاف عمومَ إفراد المضاف ، وعمومُ الناس لإضافة ( عباد ) إلى ضمير الجلالة ، أي جميِع عباده ، مع ما في صيغة ( خبير ) من شدة العلم وهو يستلزم العموم فكان كعموم ثالث . والكفاية : الإجزاء ، وفي فعل { كفى } إفادة أنه لا يحتاج إلى غيره وهو مستعمل في الأمر بالاكتفاء بتفويض الأمر إليه .

والباء لتأكيد إسناد الفعل إلى الفاعل . وقد كثر دخول باء التأكيد بعدَ فعل الكفاية على فاعله أو مفعوله ، وتقدم في قوله تعالى : { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } في سورة الإسراء ( 14 ) . و { خبيراً } حال من ضمير { به } أي كفى به من حيث الخبرة .

والعلمُ بالذنوب كناية عن لازمه وهو أنه يجازيهم على ذنوبهم ، والشرك جامع الذنوب . وفي الكلام أيضاً تعريض بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من أذاهم .