فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

ولما بين سبحانه أن الكفار متظاهرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ان لا يطلب منهم أجرا البتة ، وأمره أن يتوكل عليه في دفع المضار وجلب المنافع فقال :{ وَتَوَكَّلْ } في استكفاء شرورهم والاستغناء عن أجورهم { عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه ، وخص صفة الحياة إشارة إلى أن الحي الدائم هو الذي يوثق به في المصالح والمنافع ودفع المضار ، ولا حياة على الدوام إلا الله سبحانه ، دون الأحياء المنقطعة حياتهم فإنهم إذا ما تواضع من يتوكل عليهم . وقرأها بعض الصالحين فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق ، والتوكل اعتماد العبد على الله في كل الأمور ، والأسباب وسائط ، أمر بها من غير اعتماد عليها .

{ وَسَبِّحْ } أن نزهه عن صفات النقصان مقترنا { بِحَمْدِهِ } وقيل معنى سبح صل ، والصلاة تسمى تسبيحا { وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا } أي حسبك وهذه كلمة يراد بها المبالغة كقولك : كفى بالله ربا والخبير المطلع على الأمور بحيث لا يخفى عليه منها شيء فلا لوم عليك إن آمنوا وكفروا ، وقيل معناه أنه لا يحتاج معه إلى غيره لأنه خبير عالم قدير على مكافأتهم ، وفيه وعيد شديد ، كأنه قال : إذا قدمتم على مخالفة أمره كفاكم علمه في مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة ،