الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

وقوله سبحانه : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ } [ الفرقان : 57 ] .

قال القشيريُّ في «التحبير » : وإذا عَلِمَ العبدُ أَنَّ مولاه حَيٌّ لا يموت ، صَحَّ تَوَكُّلُهُ عليه ، قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ } قيل : إنَّ رجلاً كتب إلى آخر أَنَّ صديقي فلاناً قد مات ، فَمِنْ كَثَرَةِ ما بكيت عليه ذَهَبَ بَصَرِي ، فكتب إليه : الذَّنْبُ لك حين أحببتَ الحيَّ الذي يموت ، فهلا أحببت الحيَّ الذي لا يموت حتى لا تحتاج إلى البكاء عليه انتهى .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ( ما كَرَبَنِي أَمْرٌ إلاَّ تَمَثَّلَ لِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ، قُلْ : تَوَكَّلْتُ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) رواه الحاكم في «المستدرك » وقال : صحيح الإسناد ، انتهى من «السلاح » .

وقوله تعالى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أي : قل : سبحان اللّه وبحمده أي : تنزيهه واجب وبحمده أقول ، وصَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : ( مَنْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ مائَةَ مَرَّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) فهذا معنى قوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } وهي إحدى الكلمتين الخفيفتين على اللسان الثقيلتين في الميزان ، الحديث في البخاري وغيره .

( ت ) : وعن جُوَيْرِيَّةَ رضي اللّه عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ : ( مَا زِلْتِ عَلَى الحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا ؟ قَالَتْ : نعم ، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتُ مُنْذُ الْيَوْمَ لَوَزَنْتُهِنَّ : سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ ) رواه الجماعة إلاَّ البخاريَّ ، زاد النسائي في آخره : «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَذَلِكَ » وفي رواية له : ( سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ ، وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللّهُ ، وَاللَّهُ أكْبَرُ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ » انتهى من «السلاح » .