السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

ولما بين تعالى أن الكفار يتظاهرون على إيذائه وأمره أن لا يطلب منهم أجراً أمره أن يتوكل عليه في دفع جميع المضار ، وجلب جميع المنافع بقوله تعالى : { وتوكل } أي : أظهر العجز والضعف واستسلم واعتمد في أمرك كله ، ولا سيما في مواجهتهم بالإنذار ، وفي ردهم من عنادهم { على الحي الذي لا يموت } فلا ضياع لمن توكل عليه ، فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء الذين يموتون ، فإنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم ، وعن بعض السلف أنه قرأها فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق { وسبّح } متلبساً { بحمده } أي : نزهه عن كل نقص مثبتاً له كل كمال ، وقيل : صلِّ له شكراً على نعمه ، وقيل : قل سبحان الله والحمد لله وحده وعلى هذا اقتصر الجلال المحلى { وكفى به بذنوب عباده } أي : ما ظهر منها وما بطن وكل ما سواه عبد { خبيراً } أي : عالماً مطلقاً فلا يخفى عليه خافية شيء منها ، وإن دق فلا عليك إن آمنوا أو كفروا ، وهذه الكلمة يراد بها المبالغة يقال : كفى بالعلم كمالاً وكفى بالأدب مالاً وهو معنى حسبك أي : لا تحتاج معه إلى غيره ، لأنه تعالى خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم ، وهذا وعيد شديد .