البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

ووصف تعالى نفسه بالصفة التي تقتضي التوكل في قوله { الحي الذي لا يموت } لأن هذا المعنى يختص به تعالى دون كل حي كما قال { كل شيء هالك إلاّ وجهه } وقرأ بعض السلف هذه الآية فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق ، ثم أمره بتنزيهه وتمجيده مقروناً بالثناء عليه لأن التنزيه محله اعتقاد القلب والمدح محله اللسان الموافق للأعتقاد .

وفي الحديث : « من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر .

وهي الكلمتان الخفيفتان على اللسان الثقيلتان في الميزان » .

{ وكفى به بذنوب عباده خبيراً } أراد أنه ليس إليه من أمور عباده شيء آمنوا أم كفروا ، وأنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم .

وفي هذه الجملة تسلية للرسول ووعيد للكافر .

وفي بعض الأخبار كفى بك ظَفراً أن يكون عدوك عاصياً وهي كلمة يراد بها المبالغة تقول : كفى بالعلم جمالاً .

وكفى بالأدب مالاً ، أي حسبك لا تحتاج معه إلى غيره لأنه خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم .

ولما أمره بالتوكل والتسبيح وذكر صفة الحياة الدائمة ذكر ما دل على القدرة التامة وهو إيجاد هذا العالم .