{ ما عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } .
وأصل البلاغ - كما يقول القرطبي - وهو الوصول . يقال : بلغ يبلغ بلوغا وأبلغه إبلاغا . وبلغه تبليغا ، ومنه البلاغة . لأنها إيصال المعنى إلى النفس في أحسن صورة من اللفظ .
أي : ليس على رسولنا - أيها الناس - إلا تبليغ ما أمرناه بتبليغه إليكم وتوصيل ما كلفناه بتوصيله لكم ، وهو لم يقصر في ذلك ، ولم يأل جهدا في نصحكم وإرشادكم فأطيعوه لتسعدوا واعلموا أن الله - تعالى - يعلم ما تظهرون وما تخفون من خير أو شر ، وسيجازيكم بما تستحقون يوم القيامة .
فالآية الكريمة تأكيد لما اشتملت عليه سابقتها من ترغيب وترهيب ، ومن تبشير وإنذار ، وتصريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عليه تبليغ ما كلفه الله بتبليغه إلى الناس ، وليس عليه بعد ذلك هدايتهم أو ضلالهم ، وإنما الله وحده هو الذي بيده ذلك ، وهو الذي بيده حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { مّا عَلَى الرّسُولِ إِلاّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } . .
وهذا من الله تعالى ذكره تهديد لعباده ووعيد ، يقول تعالى ذكره : ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم أيها الناس بإنذاركم عقابنا بين يدي عذاب شديد وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حججكم ، إلاّ أن يؤدي إليكم رسالتنا ، ثم إلينا الثواب على الطاعة ، وعلينا العقاب على المعصية . " وَاللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ " يقول : وغير خفيّ علينا المطيع منكم القابل رسالتنا العامل بما أمرته بالعمل به من العاصي التارك العمل بما أمرته بالعمل به ، لأنا نعلم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق به لسانه . " وَما تَكْتُمُونَ " يعني : ما تخفونه في أنفسكم من إيمان وكفر أو يقين وشكّ ونفاق . يقول تعالى ذكره : فمن كان كذلك لا يخفى عليه شيء من ضمائر الصدور وظواهر أعمال النفوس ، مما في السموات وما في الأرض ، وبيده الثواب والعقاب ، فحقيق أن يُتقَى وأن يطاع فلا يعصَى .
قوله تعالى : { ما على الرسول إلا البلاغ } إخبار للمؤمنين فلا يتصور أن يقال هي آية موادعة منسوخة بآيات القتال ، بل هذه حال من آمن وشهد شهادة الحق . فإنه إذ قد عصم من الرسول ماله ودمه ، فليس على الرسول في جهته أكثر من التبليغ والله تعالى بعد ذلك يعلم ما ينطوي عليه صدره ، وهو المجازي بحسب ذلك ثواباً وعقاباً ، و { البلاغ } مصدر من بلغ يبلغ ، والآية معناها الوعيد للمؤمنين إن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ إليهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا من الله تعالى ذكره تهديد لعباده ووعيد، يقول تعالى ذكره: ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم أيها الناس بإنذاركم عقابنا بين يدي عذاب شديد وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حججكم، إلاّ أن يؤدي إليكم رسالتنا، ثم إلينا الثواب على الطاعة، وعلينا العقاب على المعصية.
"وَاللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ": وغير خفيّ علينا المطيع منكم القابل رسالتنا العامل بما أمرته بالعمل به من العاصي التارك العمل بما أمرته بالعمل به، لأنا نعلم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق به لسانه، "وَما تَكْتُمُونَ": ما تخفونه في أنفسكم من إيمان وكفر أو يقين وشكّ ونفاق. يقول تعالى ذكره: فمن كان كذلك لا يخفى عليه شيء من ضمائر الصدور وظواهر أعمال النفوس، مما في السموات وما في الأرض، وبيده الثواب والعقاب، فحقيق أن يُتقَى وأن يطاع فلا يعصَى.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لما أنذر تعالى في الآية الأولى شدة العقاب وبشر بالعفو والغفران، ذكر في هذه أنه ليس على الرسول إلا البلاغ. وأما القبول والامتثال فإنه متعلق بالمكلفين المبعوث إليهم..." والله يعلم ما تبدون وما تكتمون "معناه أنه لا يخفى عليه شيء من أحوالكم التي تظهرونها أو تخفونها وتكتمونها وفي ذلك غاية التهديد والزجر.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} تشديد في إيجاب القيام بما أمر به، وأن الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ، وقامت عليكم الحجة، ولزمتكم الطاعة، فلا عذر لكم في التفريط.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {البلاغ} مصدر من بلغ يبلغ، والآية معناها الوعيد للمؤمنين إن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ إليهم.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قوله تعالى:"ما على الرسول إلا البلاغ" أي ليس له الهداية والتوفيق ولا الثواب، وإنما عليه البلاغ، وفي هذا رد على القدرية كما تقدم. وأصله البلاغ البلوغ، وهو الوصول.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
هذا بيان لوظيفة الرسول في إثر بيان كون الجزاء بيد الله العليم بكل شيء، وهي أن الرسول من حيث هو رسول ليس عليه إلا تبليغ رسالة من أرسله، فهو لا يعلم جميع ما يبديه المكلفون من الأعمال والأقوال وما يكتمونه منها فيكون أهلا لحسابهم وجزائهم على أعمالهم، وإنما يعلم ذلك الله وحده. وفيه إبطال لما عليه أهل الشرك والضلال من الخوف من معبوداتهم الباطلة والرجاء فيها، والتماس الخلاص والنجاة من عذاب الآخرة بشفاعتها، فهو يقول بصيغة الحصر "ما على الرسول إلا البلاغ "والبيان لدين الله وشرعه، فبذلك تبرأ ذمته ويكون من بلغهم هم المسؤولين عند الله تعالى، والله وحده هو الذي يعلم ما تبدون وما تكتمون من عقائدكم وأقوالكم وأفعالكم فيجازيكم عليها، بحسب علمه المحيط بكل ذرة منها، فيكون جزاؤه حقا وعدلا، ويزيد المحسنين كرما منه وفضلا. {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} [فصلت: 46] فلا تطالبوا بسعادتكم إلا أنفسكم، ولا تخافوا عليها إلا منها...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {ما على الرسول إلاّ البلاغ} معترضة ذيل بها التعريض بالوعيد والوعد. ومضمونها إعذار الناس لأن الرسول قد بلّغ إليهم ما أراد الله منهم فلا عذر لهم في التقصير، والمنّة لله ولرسوله فيما أرشدهم إليه من خير. والقصر ليس بحقيقي لأنّ على الرسول أموراً أخر غير البلاغ مثل التعبّد لله تعالى، والخروج إلى الجهاد، والتكاليف التي كلّفه الله بها مثل قيام الليل، فتعيّن أنّ معنى القصر: ما عليه إلاّ البلاغ، أي دون إلجائكم إلى الإيمان، فالقصر إضافي فلا ينافي أنّ على الرسول أشياء كثيرة. والإتيان بحرف (على) دون (اللام) ونحوها مؤذن بأنّ المردود شيء يتوهّم أنّه لازم للرسول من حيث إنّه يدّعي الرسالة عن الله تعالى. وقوله: {والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} عطف على جملة {اعلموا أنّ الله شديد العقاب}. وهي تتميم للتعريض بالوعيد والوعد تذكيراً بأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ظاهرها وباطنها. وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي هنا لإفادة تقوّي الحكم وليس لإفادة التخصيص لنبُوّ المقام عن ذلك. وذكر {ما تبدون} مقصود منه التعميم والشمول مع {ما تكتمون} وإلاّ فالغرض هو تعليمهم أنّ الله يعلم ما يسرّونه أمّا ما يبدونه، فلا يُظنّ أنّ الله لا يعلمه...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
في هذا النص السامي ترشيح وتقوية لمعنى الإنذار والتبشير في النص السابق، وفي هذا النص ما يفيد بالمعنى الضمني أن الرسول عليه التبليغ وأنه لا تبعة عليه بعد التبليغ وأن المكلفين بعد تبليغه تكون تبعة الشر على الذين بلغوا، وجزاء الخير لهم، وان الحساب بعد ذلك لله تعالى، وإنه لمحاسبهم على الشر إن فعلوه ومجازيهم على الخير إن أدوه ويقبل توبة العصاة إن تابوا وذلك بغفرانه ورحمته وأن ذلك الجزاء على الخير خيرا وعلى الشر شرا يكون من عليم خبير، لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم ما تخفيه السرائر وتكتمه ويعلم ما يظهر على الجوارح وتعلنه فهو يعلم السر وأخفى يعلم ما يبدونه وما يكتمونه والخير له جزاؤه والشر له عقابه.