التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ} (99)

97

تعليق على مدى جملة : { ما على الرسول إلا البلاغ }

ونقف عند مدى جملة : { ما على الرسول إلا البلاغ } لنقول : إنها في مقامها تعني أن الرسول لم يرسل ليسيطر على أفعال العباد وقلوبهم ، وإنما ليكون مبلغا عن الله فيما شاء من رسوم وحدود . وقد تكرر هذا في مثل هذا المقام في سور مكية ومدنية عديدة .

وليس بين هذا وبين ما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يباشره في العهد المدني بخاصة من سلطان زمني على المسلمين ومن يدخل في ذمتهم ومن أعمال فيها مهمة الدولة والسلطان مثل تسيير وقيادة الجيوش والحرب والصلح وجباية الزكاة وقبض الزكاة وخمس الغنائم والفيء والتصرف فيها حسب الحدود المرسومة والقضاء بين المسلمين فيما يشجر بينهم من مشاكل ومنازعات وإقامة الحدود الخ . فكل هذا باشره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإلهام أو وحي قرآني ، وصار له به سلطان زمني بالإضافة إلى مهمة التبليغ عن الله . ولا يعني هذا أنه صار له على قلوب الناس وأفعالهم سيطرة مانعة لهم من أي فعل وتفكير . فقد كان وظل يقوم بتبليغ ما أمره الله به لهم ويعمل فيهم في نطاق ذلك . وما كان يبقى في حيز تفكيرهم رفع عنهم إثمه ؛ لأن الله قرر { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } كما جاء في الآية ( 286 ) من سورة البقرة وفي نطاق شرحنا لها . وما كانوا يفعلونه إن كان حلالا ومباحا أقرهم عليه ، وإن كان بغيا وعدوانا أقام عليهم فيه أحكام الله في نطاق تبليغاته ووحيه وإلهامه . والله تعالى أعلم .