اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ} (99)

قوله تعالى : { مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ } لما قدَّم التَّرْغيبَ والتَّرْهيبَ بقوله : { أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، أتبعه بذِكْرِ التَّكْليفِ ، فقال تعالى : { مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ } يَعْنِي : أنَّهُ مُكَلَّفٌ بالتَّبليغِ ، فلما بلَّغ خرجَ عن العُهْدَةِ ، وبَقِيَ الأمْرُ من جانِبِنَا ، وإذا عَلِمَ بما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ فإن خَالَفْتُمْ ، فاعلموا أنَّ اللَّهَ شديدُ العقاب ، وإنْ أطَعْتُمْ فاعلمُوا أنَّ اللَّه غفورٌ رحيمٌ .

قوله : " إلاَّ البلاغُ " : في رفعه وجهان :

أحدهما : أنه فاعلٌ بالجارِّ قبله ؛ لاعتماده على النفي ، أي : ما استقرَّ على الرَّسُول إلا البلاغُ .

والثاني : أنه مبتدأ ، وخبره الجارُّ قبله ، وعلى التقديرين ، فالاستثناء مفرَّغٌ .

والبلاغُ يُحْتَمَلُ أن يكون مصدراً [ ل " بَلَّغَ " مشدَّداً ، أي : ما عليه إلا التبليغُ ، فجاء على حذفِ الزوائدِ ، ك " نَبَات " بعد " أنْبَتَ " ، ويحتمل أن يكون مصدراً ] ل " بَلَغَ " مُخَفَّفاً بمعنى البُلُوغ ، ويكون المعنى : ما عليه إلا البُلُوغُ بتبليغه ، فالبلوغُ مُسْتلزمٌ للتبليغِ ، فعبَّر باللاَّزمِ عن الملزوم .