فكأنهم ليموا على إيمانهم ومسارعتهم فيه ، فقالوا : { وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ } أي : وما الذي يمنعنا من الإيمان بالله ، والحال أنه قد جاءنا الحق من ربنا ، الذي لا يقبل الشك والريب ، ونحن إذا آمنا واتبعنا الحق طمعنا أن يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين ، فأي مانع يمنعنا ؟ أليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للإيمان وعدم التخلف عنه .
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك عنهم ما علمه منهم من إصرارهم على الدخول في الدين الحق ، فقال . { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القوم الصالحين } .
فالآية الكريمة من تتمة قولهم .
والاستفهام هنا لإِنكار انتفاء الإِيمان منهم مع قيام موجباته ، وظهور أماراته ووضوح أدلته وشواهده .
والمعنى : وأي مانع يمنعنا من الإِيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد ، وبما جاءنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من قرآن يهدي إلى الرشد ومن توجيهات توصل إلى السعادة ونحن نطمع أن يدخلنا ربنا - بسبب إيماننا - مع القوم الذين صلحت أنفسهم بالعقيدة السليمة ، وبالعبادات الصحيحة وبالإخلاق الفاضلة وهم أتباع هذا النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم فأنت تراهم بعد أن استمعوا إلى القرآن تأثرت نفوسهم به تأثراً شديداص فاضت معه أعينهم بالدمع . ثم بعد ذلك التمسوا من الله - تعالى - أن يكتبهم مع الأمة الإِسلامية التي تشهد على غيرها يوم القيامة . ثم بعد ذلك استنكروا واستبعدوا أن يعوقهم معوق عن الإِيمان الصحيح مع قيام موجباته . وهذا كله يدل على صفاء نفوسهم وطهارة قلوبهم ومسارعتهم إلى قبول الحق عند ظهوره بدون تردد أو تقاعس :
وقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا } يدل على قوة إيمانهم ، ’ وصدق يقينهم ، لأنهم مع هذا الإِقبال الشديد على الدين الحق والمسارعة إلى العمل الصالح ، لم يجزموا بحسن عاقبتهم ، بل التمسوا من الله - تعالى - الطمع في مغفرته ، وفي أن يجعلهم مع القوم الصالحين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وهكذا المؤمن الصادق يستصغر عمله بجانب فضل الله ونعمه ، ويقف من جزائه وثوابه - سبحانه - موقف الخوف والرجاء .
{ وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ } وهذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قوله [ عز وجل ]{[10220]} { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ [ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِِ ] }{[10221]} الآية [ آل عمران : 199 ] ، وهم الذين قال الله فيهم : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ] }{[10222]} إلى قوله { لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } [ القصص : 52 - 55 ] ؛ ولهذا قال تعالى ههنا : { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ }{[10223]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ } . .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من كتابه ، آمنوا به وصدّقوا كتاب الله ، وقالوا : ما لنا لا نؤمن بالله ؟ يقول : لا نقرّ بوحدانية الله وما جَاءَنا مِنَ الحَقّ ، يقول : وما جاءنا من عند الله من كتابه وآي تنزيله ، ونحن نطمع بإيماننا بذلك أنْ يُدْخِلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِحِينَ يعني بالقوم الصالحين : المؤمنين بالله المطيعين له ، الذين استحقوا من الله الجنة بطاعتهم إياه . وإنما معنى ذلك : ونحن نطمع أن يدخلنا ربنا مع أهل طاعته مداخلهم من جنته يوم القيامة ، ويلحق منازلنا بمنازلهم ودرجاتنا بدرجاتهم في جناته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " وَما لَنا لا نُؤْمِنُ باللّهِ وَما جاءَنا مِنَ الحَقّ وَنَطْمَعُ أنْ يُدْخِلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِحِينَ " قال : «القَوْم الصالحون » : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
قولهم { وما لنا } توقيف لأنفسهم أو محاجة لمن عارضهم من الكفار بأن قال لهم آمنتم وعجلتم . فقالوا وأي شيء يصدنا عن الإيمان وقد لاح الصواب وجاء الحق المنير { وما لنا } ابتداء وخبر ، و { لا نؤمن } في موضع الحال ، ولكنها حال هي المقصد وفيها الفائدة : كما تقول جاء زيد راكباً وأنت قد سئلت هل جاء ماشياً أو راكباً . وفي مصحف ابن مسعود «وما لنا لا نؤمن بالله وما أنزل إلينا ربنا » . { ونطمع } تقديره ونحن نطمع . فالواو عاطفة جملة على الجملة لا عاطفة فعل على فعل و «القوم الصالحون » محمد وأصحابه ، قاله ابن زيد وغيره من المفسرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.