قوله :{ وفديناه بذبح عظيم } فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن ، فقال : هذا فداء لابنك فاذبحه ، فكبر جبريل ، وكبر الكبش ، وكبر إبراهيم ، وكبر ابنه ، فأخذ إبراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه . قال أكثر المفسرين : كان ذلك الكبش رعى في الجنة أربعين خريفاً . وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم . قال سعيد بن جبير : حق له أن يكون عظيماً . قال مجاهد : سماه عظيماً لأنه متقبل . وقال الحسين بن الفضل : لأنه كان من عند الله . وقيل : عظيم في الشخص . وقيل : في الثواب . وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير .
فلما قدّم حب اللّه ، وآثره على هواه ، وعزم على ذبحه ، وزال ما في القلب من المزاحم ، بقي الذبح لا فائدة فيه ، فلهذا قال : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } أي : صار بدله ذبح من الغنم عظيم ، ذبحه إبراهيم ، فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل ، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة ، ومن جهة أنه كان قربانا وسنة إلى يوم القيامة .
وقوله : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } قال سفيان الثوري ، عن جابر الجُعْفي ، عن أبي الطفيل ، عن علي ، رضي الله عنه : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } قال : بكبش أبيض أعين أقرن ، قد ربط بسمرة - قال أبو الطفيل وجدوه مربوطًا بسُمَرة في ثَبِير{[25056]}
وقال الثوري أيضا ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفًا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار ، حدثنا داود العطار ، عن ابن خثيم{[25057]} ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء ابنه ، هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء ، فذبحه ، وهو الكبش الذي قَرّبه ابن آدم فتقبل منه ، فكان مخزونا حتى فدي به إسحاق .
وروي أيضا عن سعيد بن جبير أنه قال : كان الكبش يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير ، وكان عليه عِهْن أحمر .
وعن الحسن البصري : أنه كان اسم كبش إبراهيم : جرير .
وقال ابن جريج : قال عبيد بن عمير : ذبحه بالمقام . وقال مجاهد : ذبحه بمنى عند المنحر{[25058]} . وقال هُشَيْم ، عن سيار ، عن عكرمة ؛ أنّ ابن عباس كان أفتى الذي جعل عليه نذرًا أن ينحر نفسه ، فأمره بمائة من الإبل . ثم قال بعد ذلك : لو كنت أفتيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا ، فإن الله تعالى قال في كتابه : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه فُدي بكبش . وقال الثوري ، عن رجل ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } قال : وَعْلٌ .
وقال محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقول : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأرْوَى ، أهبط عليه من ثبير{[25059]} .
وقد قال{[25060]} الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، حدثنا منصور ، عن خاله مُسافع{[25061]} ، عن صفية بنت شيبة قالت : أخبرتني امرأة من بني سليم - وَلدت عامة أهل دارنا - أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة - وقال{[25062]} مرة : إنها سألت عثمان : لم دعاك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قال : " إني كنتُ رأيت قرني الكبش ، حين دخلت البيت ، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما ، فَخَمَّرْهما ، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي " . قال سفيان : لم يزل قرنا الكبش معلقين{[25063]} في البيت حتى احترق البيت ، فاحترقا{[25064]} .
وهذا دليل مستقل على أنه إسماعيل ، عليه السلام ، فإن قريشا توارثوا قرني الكبش الذي فدي به إبراهيم{[25065]} خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل ، إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
فصل في ذكر الآثار الواردة عن السلف في أن الذبيح من هو ؟ :
ذكر من قال : هو إسحاق [ عليه السلام ]{[25066]} :
قال حمزة الزيات ، عن أبي ميسرة ، رحمه الله ، قال : قال يوسف ، عليه السلام ، للملك في وجهه : ترغب أن تأكل معي ، وأنا - والله - يوسف بن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله .
وقال الثوري ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل : إن يوسف ، عليه السلام ، قال للملك كذلك أيضا .
وقال سفيان الثوري ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه قال : " قال موسى : يا رب ، يقولون : يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فبم قالوا ذلك ؟ قال : إن إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه . وإن إسحاق جاد لي بالذبح ، وهو بغير ذلك أجود . وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن " .
وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص قال : افتخر رجل عند ابن مسعود فقال : أنا فلان بن فلان ، ابن الأشياخ الكرام . فقال عبد الله : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله [ صلوات الله وسلامه عليهم ]{[25067]} .
وهذا صحيح إلى ابن مسعود ، وكذا روى عكرمة ، عن ابن عباس أنه إسحاق . وعن أبيه العباس ، وعلي بن أبي طالب مثل ذلك . وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، وعبيد بن عمير ، وأبو ميسرة ، وزيد بن أسلم ، وعبد الله بن شقيق ، والزهري ، والقاسم بن أبي بزة ، ومكحول ، وعثمان بن حاضر ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، وأبو الهذيل ، وابن سابط . وهو اختيار ابن جرير . وتقدم روايته عن كعب الأحبار أنه إسحاق .
وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر ، عن الزهري ، عن أبي سفيان بن العلاء ، بن جارية{[25068]} ، عن أبي هريرة ، عن كعب الأحبار ، أنه قال : هو إسحاق{[25069]} .
وهذه الأقوال - والله أعلم - كلها مأخوذة عن كعب الأحبار ، فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر ، رضي الله عنه عن كتبه ، فربما استمع له عمر ، رضي الله عنه ، فترخص الناس في استماع ما عنده ، ونقلوا عنه غثها وسمينها ، وليس لهذه الأمة - والله أعلم - حاجة إلى حرف واحد مما عنده . وقد حكى البغوي هذا القول بأنه إسحاق عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، والعباس ، ومن التابعين عن كعب الأحبار ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومسروق ، وعكرمة ، ومقاتل ، وعطاء ، والزهري ، والسدي - قال : وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس{[25070]} . وقد ورد في ذلك حديث - لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين ، ولكن لم يصح سنده - قال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا زيد بن حباب ، عن الحسن بن دينار ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره قال : هو إسحاق{[25071]} .
ففي إسناده ضعيفان{[25072]} ، وهما الحسن بن دينار البصري ، متروك . وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحدث . وقد رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، به مرفوعا . {[25073]} . ثم قال : قد رواه مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن الأحنف ، عن العباس قوله ، وهذا{[25074]} أشبه وأصح .
[ ذكر الآثار الواردة بأنه إسماعيل - عليه السلام - وهو الصحيح المقطوع به ]{[25075]} .
قد تقدمت الرواية عن ابن عباس أنه إسحاق . قال سعيد بن جبير ، وعامر الشعبي ، ويوسف بن مهران ، ومجاهد ، وعطاء ، وغير واحد ، عن ابن عباس ، هو إسماعيل عليه لسلام .
وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح{[25076]} عن ابن عباس أنه قال : المفدى إسماعيل ، عليه السلام ، وزعمت اليهود أنه إسحاق ، وكذبت اليهود{[25077]} .
وقال إسرائيل ، عن ثور ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : الذبيح إسماعيل .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : هو إسماعيل . وكذا قال يوسف بن مهران .
وقال الشعبي : هو إسماعيل ، عليه السلام ، وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة .
وقال{[25078]} محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، وعمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري : أنه كان لا يشك في ذلك : أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل .
قال ابن إسحاق : وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول : إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل . وإنا لنجد ذلك في كتاب الله ، وذلك أن الله حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } . يقول الله تعالى : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } ، يقول بابن وابن ابن ، فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من [ الله ]{[25079]} الموعد بما وعده{[25080]} ، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل .
وقال ابن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان بن فروة{[25081]} الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم ؛ أنه{[25082]} ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام ، فقال له عمر : إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه ، وإني لأراه كما قلت . ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام ، كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه ، وكان يرى أنه من علمائهم ، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك - قال محمد بن كعب : وأنا عند عمر بن عبد العزيز - فقال له عمر : أيُّ ابني إبراهيم أُمِر بذبحه ؟ فقال : إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن يهود لتعلم بذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب ، على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه ، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به ، فهم يجحدون ذلك ، ويزعمون أنه إسحاق ، بكون{[25083]} إسحاق أبوهم ، والله أعلم أيهما كان ، وكل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لله عز وجل . {[25084]}
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : سألت أبي عن الذبيح ، من هو ؟ إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال : إسماعيل . ذكره في كتاب الزهد .
وقال ابن أبي حاتم : وسمعت أبي يقول : الصحيح أن الذبيح إسماعيل ، عليه السلام . قال : وروي عن علي ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وأبي الطفيل ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد ، والشعبي ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي جعفر محمد بن علي ، وأبي صالح أنهم قالوا : الذبيح إسماعيل .
وقال البغوي في تفسيره : وإليه ذهب عبد الله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والسدي ، والحسن البصري ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي ، وهو رواية عن ابن عباس ، وحكاه أيضا عن أبي عمرو بن العلاء{[25085]} .
وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا فقال : حدثني محمد بن عمار الرازي ، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي ، عن عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد عتبة بن أبي سفيان - عن أبيه : حدثني عبد الله بن سعيد ، عن الصنابحي قال : كنا عند معاوية بن أبي سفيان ، فذكروا الذبيح : إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال على الخبير{[25086]} سقطتم ، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه رجل فقال : يا رسول الله ، عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، وما الذبيحان ؟ فقال : إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها عليه ، ليذبحن أحد ولده ، قال : فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا : افد ابنك بمائة من الإبل . ففداه بمائة من الإبل ، وإسماعيل الثاني{[25087]} .
وهذا حديث غريب جدا . وقد رواه الأموي في مغازيه : حدثنا بعض أصحابنا ، أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا عمر بن عبد الرحمن القرشي ، حدثنا عبيد الله{[25088]} بن محمد العتبي - من ولد عتبة بن أبي سفيان - حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا الصنابحي قال : حضرنا مجلس معاوية ، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ، وذكره . كذا كتبته من نسخة مغلوطة{[25089]} .
وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } ، فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله : { وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [ الذاريات : 28 ] . وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي ، أي العمل . ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضا . قال : وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد الشام . قال : وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك . هذا ما اعتمد عليه في تفسيره ، وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم ، بل هو بعيد جدا ، والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى ، والله أعلم{[25090]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىَ إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ } .
وقوله : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ يقول : وفدينا إسحاق بذبح عظيم ، والفدية : الجزاء ، يقول : جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيم ، وأنقذناه من الذبح .
واختلف أهل التأويل في المفديّ من الذبح من ابني إبراهيم ، فقال بعضهم : هو إسحاق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : هو إسحاق .
حدثني الحسين بن يزيد بن إسحاق ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن داود ، بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الذي أُمِر بذبحه إبراهيم هو إسحاق .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : هو إسحاق .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن عكرمة ، قال : قال ابن عباس : الذبيح إسحاق .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن الحسن بن دينار ، عن عليّ بن زيد بن جُدْعان ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره ، قال : «هو إسحاق » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : افتخر رجل عند ابن مسعود ، فقال : أنا فلان ابن فلان ابن الأشياخ الكرام ، فقال عبد الله : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا إبراهيم بن المختار ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن الزهري ، عن العلاء بن حارثة الثقفي ، عن أبي هريرة ، عن كعب في قوله : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : من ابنه إسحاق .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا زكريا وشعبة ، عن ابن إسحاق ، عن مسروق ، في قوله : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : هو إسحاق .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبيد بن عمير ، قال : هو إسحاق .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمير قال : قال موسى : يا ربّ يقولون يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فبم قالوا ذلك ؟ قال : إن إبراهيم لم يعدل بي شيئا قطّ إلا اختارني عليه ، وإن إسحاق جاد لي بالذبح ، وهو بغير ذلك أجود ، وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظنّ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، قال : قال موسى : أي ربّ بم أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما أعطيتهم ؟ فذكر معنى حديث عمرو بن عليّ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي سنان الشيبانيّ ، عن ابن أبي الهذيل ، قال : الذبيح هو إسحاق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخربني يونس ، عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن حارثة الثقفي ، أخبره أن كعبا قال لأبي هريرة : ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبيّ ؟ قال أبو هريرة : بلى ، قال كعب : لما رأى إبراهيمُ ذبحَ إسحاق ، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفِتن أحدا منهم أبدا ، فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه ، فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارَة امرأة إبراهيم ، فقال لها : أي أصبح إبراهيم غاديا بإسحاق ، قالت سارَة : غدا لبعض حاجته ، قال الشيطان : لا والله ما لذلك غدا به ، قالت سارَة : فلم غدا به ؟ قال : غدا به ليذبحه قالت سارَة : ليس من ذلك شيء ، لم يكن ليذبح ابنه قال الشيطان : بلى والله قالت سارَة : فلِمَ يذبحه ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك قالت سارَة : فهذا أحسن بأن يطيع ربه إن كان أمره بذلك . فخرج الشيطان من عند سارَة حتى أدرك إسحاق وهو يمشي على إثر أبيه ، فقال : أين أصبح أبوك غاديا بك ؟ قال : غدا بي لبعض حاجته ، قال الشيطان : لا والله ما غدا بك لبعض حاجته ، ولكن غدا بك ليذبحك ، قال إسحاق : ما كان أبي ليذبحني قال : بلى قال : لِمَ ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك قال إسحاق : فوالله لئن أمره بذلك ليطيعنّه ، قال : فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم ، فقال : أين أصبحت غاديا بابنك ؟ قال : غدوت به لبعض حاجتي ، قال : أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه ، قال : لمَ أذبحه ؟ قال : زعمتَ أن ربك أمرك بذلك قال : الله فوالله لئن كان أمرني بذلك ربي لأفعلنّ قال : فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسَلّم إسحاق ، أعفاه الله وفداه بذبح عظيم ، قال إبراهيم لإسحاق : قم أي بنيّ ، فإن الله قد أعفاك وأوحى الله إلى إسحاق : إني قد أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق : اللهمّ إني أدعوك أن تستجيب لي ، أيما عبد لقيك من الأوّلين والاَخرين لا يُشرك بك شيئا ، فأدخله الجنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي ، حليف بني زهرة ، عن أبي هريرة ، عن كعب الأحبار أن الذي أُمِر إبراهيم بذبحه من ابنيه إسحاق ، وأن الله لما فرّج له ولابنه من البلاء العظيم الذي كان فيه ، قال الله لإسحاق : إني قد أعطيتك بصبرك لأمري دعوة أعطيك فيها ما سألت ، فسلني ، قال : ربّ أسألك أن لا تعذّب عبدا من عبادك لقيك وهو يؤمن بك ، فكانت تلك مسألته التي سأل .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن ابن سابط ، قال : هو إسحاق .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا سفيان بن عُقْبة ، عن حمزة الزيات ، عن أبي ميسرة ، قال : قال يوسف للملِك في وجهه : ترغب أن تأكل معي ، وأنا والله يوسف بن يعقوب نبيّ الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله .
قال : ثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهُذَيل ، قال : قال يوسف للملك ، فذكر نحوه .
وقال آخرون : الذي فُدِي بالذّبح العظيم من بني إبراهيم : إسماعيل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قالا : حدثنا يحيى بن يمان ، عن إسرائيل ، عن ثور ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : الذبيح : إسماعيل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني بيان ، عن الشعبيّ ، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : إسماعيل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن محمد بن ميمون السكريّ ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : إن الذي أُمر بذبحه إبراهيم إسماعيل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن عليّ بن زيد ، عن عمار ، مولى بني هاشم ، أو عن يوسف بن مِهْران ، عن ابن عباس ، قال : هو إسماعيل ، يعني وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا داود ، عن الشعبيّ ، قال : قال ابن عباس : هو إسماعيل .
وحدثني به يعقوب مرّة أخرى ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : سئل داود بن أبي هند : أيّ ابني إبراهيم الذي أُمر بذبحه ؟ فزمع أن الشعبيّ قال : قال ابن عباس : هو إسماعيل .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن بيان ، عن الشعبي ، عن ابن عباس أنه قال في الذي فداه الله بذبح عظيم قال : هو إسماعيل .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلِيَة ، قال : حدثنا ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قوله : وَفدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيم قال : هو إسماعيل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمر بن قيس ، عن عطاء بن أبي رَباح ، عن عبد الله بن عباس أنه قال : المَفْدِيّ إسماعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن مبارك ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مِهْران ، عن ابن عباس : الذي فداه الله هو إسماعيل .
حدثنا ابن سنان القزّاز ، قال : حدثنا حجاج بن حماد ، عن أبي عاصم الغَنَويّ ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، قال : الذي أراد إبراهيم ذبحه : إسماعيل .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر أنه قال في هذه الاَية وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : هو إسماعيل ، قال : وكان قَرْنَا الكبش مَنُوطين بالكعبة .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن الشعبيّ ، قال : الذبيح إسماعيل .
قال : ثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن الشعبي ، قال : رأيت قرني الكبش في الكعبة .
قال : ثنا ابن يمان ، عن مبارك بن فضالة ، عن عليّ بن زيد بن جُدْعان ، عن يوسف بن مِهْران ، قال : هو إسماعيل .
قال : ثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : هو إسماعيل .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : هو إسماعيل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : سمعت محمد بن كعب القُرظِي وهو يقول : إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من بنيه إسماعيل ، وإنا لنجد ذلك في كتاب الله في قصة الخبر عن إبراهيم وما أُمر به من ذبح ابنه إسماعيل ، وذلك أن الله يقول ، حين فرغ من قصة المذبوح من إبراهيم ، قال : وَبَشّرْناهُ بإسْحاقَ نَبِيّا مِنَ الصّالِحينَ يقول : بشّرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، يقول : بابن وابن ابن ، فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من الله الموعود ما وعده الله ، وما الذي أُمِر بذبحه إلا إسماعيل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري أنه كان لا يشكّ في ذلك أن الذي أُمِر بذبحه من ابني إبراهيم : إسماعيل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال محمد بن إسحاق : سمعت محمد بن كعب القُرِظيّ يقول ذلك كثيرا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان بن فَرْوة الأسلمي عن محمد بن كعب الْقُرِظيّ ، أنه حدثهم أنه ذَكَر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة ، إذ كان معه بالشام فقال له عمر : إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه ، وإني لأراه كما هو ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا ، فأسلم فحسُن إسلامه ، وكان يرى أنه من علماء يهود ، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك ، فقال محمد بن كعب : وأنا عند عمر بن عبد العزيز ، فقال له عمر : أيّ ابني إبراهيم أُمِر بذبحه ؟ فقال : إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن يهود لتعلم بذلك ، ولكنهم يحسُدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه ، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به ، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق ، لأن إسحاق أبوهم ، فالله أعلم أيهما كان ، كلّ قد كان طاهرا طيبا مطيعا لربه .
حدثني محمد بن عمار الرازي ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، قال : حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابيّ ، عن عبيد بن محمد العُتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان ، عن أبيه ، قال : ثني عبد الله بن سعيد ، عن الصّنابحي ، قال : كنا عند معاوية بن أبي سفيان ، فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق ، فقال : على الخبير سقطتم : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل ، فقال : يا رسول الله عُدْ عليّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك عليه الصلاة والسلام فقلنا له : يا أمير المؤمنين ، وما الذبيحان ؟ فقال : إن عبد المطلب لما أُمِر بحفْر زمزم ، نذر الله لئن سَهُل عليه أمرها ليذبحنّ أحد ولده ، قال : فخرج السهم على عبد الله ، فمنعه أخواله ، وقالوا : افْدِ ابنك بمئة من الإبل ، ففداه بمئة من الإبل ، وإسماعيل الثاني .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : الذي فُدِيَ به إسماعيل ، ويعني تعالى ذكره الكبش الذي فُدِيَ به إسحاق ، والعرب تقول لكلّ ما أُعِدّ للذبح ذِبْح ، وأما الذّبح بفتح الذال فهو الفعل .
قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب في المفْدِيّ من ابني إبراهيم خليل الرحمن على ظاهر التنزيل قول من قال : هو إسحاق ، لأن الله قال : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ فذكر أنه فَدَى الغلامَ الحليمَ الذي بُشّر به إبراهيم حين سأله أن يهب له ولدا صالحا من الصالحين ، فقال : رَبّ هَبْ لي مِنَ الصّالِحِينَ فإذ كان المفدِيّ بالذبح من ابنيه هو المبشّر به ، وكان الله تبارك اسمه قد بين في كتابه أن الذي بُشّر به هو إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، فقال جلّ ثناؤه : فَبَشّرْناهُ بإسَحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسحَاقَ يَعْقُوبَ وكان في كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد ، فإنما هو معنّى به إسحاق ، كان بيّنا أن تبشيره إياه بقوله : فَبَشّرْناهُ بغُلامٍ حَلِيمٍ في هذا الموضع نحو سائر أخباره في غيره من آيات القرآن .
وبعد : فإن الله أخبر جلّ ثناؤه في هذه الاَية عن خليله أن بشّره بالغلام الحليم عن مسألته إياه أن يهب له من الصالحين ، ومعلوم أنه لم يسأله ذلك إلا في حال لم يكن له فيه ولد من الصالحين ، لأنه لم يكن له من ابنيه إلا إمام الصالحين ، وغير موهوم منه أن يكون سأل ربه في هبة ما قد كان أعطاه ووهبه له . فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالى ذكره في هذا الموضع هو الذي ذكر في سائر القرآن أنه بشّره به وذلك لا شك أنه إسحاق ، إذ كان المفديّ هو المبشّر به . وأما الذي اعتلّ به من اعتلّ في أنه إسماعيل ، أن الله قد كان وعد إبراهيم أن يكون له من إسحاق ابن ابن ، فلم يكن جائزا أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم فإن الله إنما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي ، وتلك حال غير ممكن أن يكون قد وُلد لإسحاق فيها أولاد ، فكيف الواحد ؟ وأما اعتلال من اعتل بأن الله أتبع قصة المفديّ من ولد إبراهيم بقوله : وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِيّا ولو كان المفديّ هو إسحاق لم يبشّر به بعد ، وقد ولد ، وبلغ معه السعي ، فإن البشارة بنبوّه إسحاق من الله فيما جاءت به الأخبار جاءت إبراهيم وإسحاق بعد أن فُدِي تكرمة من الله له على صبره لأمر ربه فيما امتحنه به من الذبح ، وقد تقدمت الرواية قبلُ عمن قال ذلك . وأما اعتلال من اعتلّ بأن قرن الكبش كان معلقا في الكعبة فغير مستحيل أن يكون حُمِل من الشام إلى مكة . وقد رُوي عن جماعة من أهل العلم أن إبراهيم إنما أُمِر بذبح ابنه إسحاق بالشام ، وبها أراد ذبحه .
واختلف أهل العلم في الذّبح الذي فُدِي به إسحاق ، فقال بعضهم : كان كبشا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ وَفَديناهُ بِذِبْحِ عَظِيمٍ قال : كبش أبيض أقرن أعين مربوط بسَمُرَة في ثَبِير .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : كبش عبيد بن عمير : ذُبِح بالمَقام ، وقال مجاهد : ذبح بمنىً في المَنْحَر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن خثيم ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الكبش الذي قرّبه ابن آدم فتقبل منه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا سيار ، عن عكرمة ، أن ابن عباس كان أفتى الذي جَعَلَ عليه أن ينحر نفسه ، فأمره بمئة من الإبل ، قال : فقال ابن عباس بعد ذلك : لو كنت أفتيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا ، فإن الله قال في كتابه : وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيمٍ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : ذِبْح كبش .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَفَدَيْناهُ بِذِبْحَ عَظِيمٍ قال : قال ابن عباس : التفتَ فإذا كبش ، فأخذه فذبحه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : كان الكبش الذي ذبحه إبراهيم رعى في الجنة أربعين سنة ، وكان كبشا أملح ، صوفه مثل العِهْنِ الأحمر .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : بكبش .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا ليث ، قال : قال مجاهد : الذبح العظيم : شاة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : بكبش .
وحدثنا الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : الذّبح : الكبش .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : التفت ، يعني إبراهيم ، فإذا بكبش ، فأخذوه وخلّى عن ابنه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الذّبح العظيم : الكبش الذي فَدَى الله به إسحاق .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن قتادة بن دِعامة ، عن جعفر بن إياس ، عن عبد الله بن العباس ، في قوله : وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيمٍ قال : خرج عليه كبش من الجنة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفا ، فأرسل إبراهيم ابنه واتبع الكبش ، فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرمى بسبع حصيات ، فأفلته عنده ، فجاء الجمرة الوسطى ، فأخرجه عندها ، فرماه بسبع حصيات ، ثم أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى ، فرماه بسبع حصيات ، فأخرجه عندها ، ثم أخذه فأتى به المنحَر من مِنَى ، فذبحه فوالذي نفس ابن عباس بيده ، لقد كان أوّل الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلّق بقرنيه عند مِيزاب الكعبة قد حُشّ ، يعني يبس .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال ابن إسحاق : ويزعم أهل الكتاب الأول وكثير من العلماء أن ذبيحة إبراهيم التي فدى بها ابنه كبش أملح أقرن أعين .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : بكبش .
وقال آخرون : كان الذبح وَعِلاً . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن رجل ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : كان وَعلاً .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقول : ما فُدِي إسماعيل إلا بتيس من الأرويّ أهبط عليه من ثبير .
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل للذّبح الذي فدى به إسحاق عظيم ، فقال بعضهم : قيل ذلك كذلك ، لأن كان رَعَى في الجنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن عبد الله بن عيسى ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قال : رعى في الجنة أربعين خريفا .
وقال آخرون : قيل له عظيم ، لأنه كان ذِبْحا متقبّلاً . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عَظِيمٍ قال : متقبّل .
حدثنا الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد في وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيمٍ قال : العظيم : المتقبل .
وقال آخرون : قيل له عظيم ، لأنه ذِبْحٌ ذُبِحَ بالحقّ ، وذلك ذبحه بدين إبراهيم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقول : ما يقول الله وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ لذبيحته التي ذبح فقط ، ولكنه الذّبح على دينه ، فتلك السّنة إلى يوم القيامة ، فاعلموا أن الذبيحة تدفع مِيتة السّوء ، فضحّوا عباد الله .
قال أبو جعفر : ولا قول في ذلك أصحّ مما قال الله جلّ ثناؤه ، وهو أن يقال : فداه الله بذِبح عظيم ، وذلك أن الله عمّ وصفه إياه بالعظم دون تخصيصه ، فهو كما عمه به .
{ وفديناه بذبح } بما يذبح بدله فيتم به الفعل . { عظيم } عظيم الجثة سمين ، أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبيا ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين . قيل كان كبشا من الجنة . وقيل وعلا أهبط عليه من ثبير . وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة ، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد ، واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه .
والضمير في { فديناه } عائد على الذبح ، و «الذبح » اسم لما يذبح ووصفه بالعظم لأنه متقبل يقيناً قاله مجاهد ، وقال عمر بن عبيد : «الذبح » الكبش و «العظيم » لجري السنة ، وكونه ديناً باقياً آخر الدهر ، وقال الحسن بن الفضل : عظم لأنه كان من عند الله ، وقال أبو بكر الوراق : لأنه لم يكن عن نسل بل عن التكوين ، وروي عن ابن عباس وعن سعيد بن جبير : أن كونه عظيماً هو أنه من كباش الجنة ، رعى فيها أربعين خريفاً ، وقال ابن عباس : هو الكبش الذي قرب ولد آدم{[9885]} ، وقال ابن عباس والحسن : كان وعلاً اُهبط عليه من ثبير{[9886]} ، وقال الجمهور : إنه كبش أبيض أقرن أعين وجده وراءه مربوطاً بسمرة .
قال القاضي أبو محمد : وروي أنه انفلت لإبراهيم فاتبعه ورماه بحصيات في مواضع الجمرات فبذلك مضت السنة ، وقال ابن عباس رجم الشيطان عند جمرة العقبة وغيرها وقد قدم هذا .
قال القاضي أبو محمد : وأهل السنة أن هذه القصة نسخ فيها العزم على الفعل ، والمعتزلة التي تقول إنه لا يصح نسخ إلا بعد وقوع الفعل افترقت في هذه الآية على فرقتين ، فقالت فرقة وقع الذبح والتأم بعد ذلك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كذب صراح ، وقالت فرقة منهم : بل كان إبراهيم لم ير في منامه إلا أمارة الشفرة فقط ، فظن أنه ذبح فجهز ، فنفذ لذلك فلما وقع الذي رآه وقع النسخ .
قال القاضي أبو محمد : والاختلاف أن إبراهيم عليه السلام أمر الشفرة على حلق ابنه فلم تقطع ، وروي أن صفيحة نحاس اعترضته فحز فيها والله أعلم كيف كان ، فقد كثر الناس في قصص هذه الآية بما صحته معدومة ، فاختصرته .