{ وَ } لكن { اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } فإنه هو الهدى والرحمة ، وَارْجُ بذلك ثواب ربك ، فإنه بما تعملون خبير ، يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم ، من الخير والشر .
فإن وقع في قلبك ، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة ، حصل عليك منهم ضرر ، أو حصل نقص في هداية الخلق ، فادفع ذلك عن نفسك ، واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره ، وهو التوكل على اللّه ، بأن تعتمد على ربك ، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ، ولا موتًا ولا حياة ، ولا نشورًا ، في سلامتك من شرهم ، وفي إقامة الدين ، الذي أمرت به ، وثق باللّه في حصول ذلك الأمر على أي : حال كان .
ثم أمره - سبحانه - باتباع ما يوحيه إليه فقال : { واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ } أى : واظب على تقوى الله ، وابتعد عن طاعة أعدائك ، واتبع فى كل ما تأتى وتذر ، كل ما نوحيه إليك من عندنا اتباعا تاما .
فالجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها . من قبيل عطف العام على الخاص .
وفى النص على ما قبلها . من قبيل عطف العام على الخاص .
وفى النص على أن الوحى إليه صلى الله عليه وسلم وأن هذا الوحى من ربه الذى تولاه بالتربية والرعاية ، إشعار بوجوب الاتباع التام الذى لا يشوبه انحراف أو تردد .
ثم أكد - سبحانه - هذا الأمر تأكيدا قويا فقال : { إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أى : إنه - تعالى - خبير ومحيط بحركات النفوس وبخفايا القلوب ، وكل ن يخالف ما أمرنان به ، أو نهيناه عنه ، فلا يخفى علينا أمره ، وسنجازيه يوم القيامة بما يستحقه .
والتوجيه الثالث المباشر : ( واتبع ما يوحى إليك من ربك ) . فهذه هي الجهة التي تجيء منها التوجيهات ، وهذا هو المصدر الحقيق بالاتباع . والنص يتضمن لمسات موحية تكمن في صياغة التعبير : ( واتبع ما يوحى إليك من ربك ) . فالوحي( إليك )بهذا التخصيص . والمصدر ( من ربك )بهذه الإضافة . فالاتباع هنا متعين بحكم هذه الموحيات الحساسة ، فوق ما هو متعين بالأمر الصادر من صاحب الأمر المطاع . . والتعقيب : ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) . . فهو الذي يوحي عن خبرة بكم وبما تعملون ؛ وهو الذي يعلم حقيقة ما تعملون ، ودوافعكم إلى العمل من نوازع الضمير .
ثم أمره تعالى باتباع ما يوحى إليه وهو القرآن الحكيم والاقتصار على ذلك ، وقوله تعالى : { إن الله كان بما تعملون خبيراً } توعد ما ، وقرأ أبو عمرو وحده «يعملون » بالياء ، والتوعد على هذه القراءة للكافرين والمنافقين أبين ، وقوله { كان } في هاتين الآيتين هي التي تقتضي الدوام ، أي كان ويكون ، وليست الدالة على زمن مخصوص للمضي .
هذا تمهيد لما يرد من الوحي في شأن أحكام التبني وما يتصل بها ولذلك جيء بالفعل المضارع الصالح للاستقبال وجرد من علامة الاستقبال لأنه قريب من زمن الحال . والمقصود من الأمر باتباعه أنه أمر باتباع خاص تأكيد للأمر العام باتباع الوحي . وفيه إيذان بأن ما سيوحي إليه قريبا هو ما يشق عليه وعلى المسلمين من إبطال حكم التبني لأنهم ألفوه واستقر في عوائدهم وعاملوا المتبنين معاملة الأبناء الحق .
ولذلك ذيلت جملة ( واتبع ما أوحي إليك ) بجملة ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) تعليلا للأمر بالاتباع وتأنيسا به لأن الله خبير بما في عوائدكم ونفوسكم فإذا أبطل شيئا من ذلك فإن إبطاله من تعلق العلم بلزوم تغييره فلا تتريثوا في امتثال أمره في ذلك فجملة ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) في موقع العلة فلذلك فصلت لأن حرف التوكيد مغن غناء فاء التفريع كما مر آنفا
وفي إفراد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( واتبع ) وجمعه بما يشمله وأمته في قوله ( بما تعملون ) إيماء إلى أن فيما سينزل من الوحي ما يشتمل على تكليف يشمل تغيير حالة كان النبي عليه الصلاة والسلام مشاركا لبعض الأمة في التلبس بها وهو حكم التبني إذ كان النبي متبنيا زيد بن حارثة من قبل بعثته .
وقرأ الجمهور ( بما تعملون ) بتاء الخطاب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم والأمة لأن هذا الأمر أعلق بالأمة . وقرأ أبو عمرو وحده ( بما يعملون ) بالمثناة التحتية على الغيبة على أنه راجع للناس كلهم شامل للمسلمين والكافرين والمنافقين ليفيد مع تعليل الأمر بالاتباع تعريضا بالمشركين والمنافقين بمحاسبة الله إياهم على ما يبيتونه من الكيد وكناية عن إطلاع الله رسوله على ما يعلم منهم في هذا الشأن كما سيجيء ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ) أي لنطلعنك على ما يكيدون به ونأذنك بافتضاح شأنهم
وهذا المعنى الحاصل من هذه القراءة لا يفوت في قراءة الجمهور بالخطاب لأن كل فريق من المخاطبين يأخذ حظه منه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{واتبع ما يوحى إليك من ربك} يعني ما في القرآن.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَاتّبِعْ ما يُوحَى إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ" يقول: واعمل بما ينزل الله عليك من وحيه، وآي كتابه.
"إنّ اللّهَ كانَ بمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا" يقول: إن الله بما تعمل به أنت وأصحابك من هذا القرآن، وغير ذلك من أموركم وأمور عباده "خبيرا" أي ذا خبرة، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو مجازيكم على ذلك بما وعدكم من الجزاء.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أمره أن يتبع الذي يوحي الله إليه من أمره ونهيه، فعلى موجب هذه الآية لا يجوز لأحد أن يطيع الكفار والمنافقين، وإن دعوهم إلى الحق، ولكن يفعل الحق، لأنه حق لا لأجل دعائهم إليه.
" إن الله كان بما تعملون خبيرا "تهديدا لهم، لأن المراد أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم بحسبها.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
اتبعْ ولا تبتدع، واقتدِ بما نأمرك به، ولا تهتدِ باختيارك غير ما نختار لك، ولا تُعرِّج أوطان الكسل، ولا تجنح إلى ناحية التواني، وكن لنا لا لكَ، وقم بنا لا بِكَ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ} في ترك طاعة الكافرين والمنافقين وغير ذلك {إِنَّ الله} الذي يوحي إليك خبير {بِمَا تَعْمَلُونَ} فموح إليك ما يصلح به أعمالكم، فلا حاجة بكم إلى الاستماع من الكفرة.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وفيه زجر عن اتباع مراسم الجاهلية، وأمر بجهادهم ومنابذتهم، وفيه دليل على ترك اتباع الآراء مع وجود النص. والخطاب له ولأمته.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{واتبع} أي بغاية جهدك {من ربك} أي المحسن إليك بصلاح جميع أمرك، فمهما أمرك به فافعله لربك لا لهم، ومهما نهاك عنه فكذلك، سواء كان إقبالاً عليهم أو إعراضاً عنهم أو غير ذلك.
{إن الله} أي بعظمته وكماله {كان} دائماً {بما تعملون} أي الفريقان من المكايد وإن دق.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{واتبع} أي في كلِّ ما تأتِي وتذر من أمورِ الدِّينِ {مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبّكَ} من الآياتِ التي من جُملتها هذه الآيةُ الآمرةُ بتقوى الله الناهيةُ عن مساعدةِ الكَفَرةِ والمنافقينَ.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
التوجيه الثالث المباشر: (واتبع ما يوحى إليك من ربك). فهذه هي الجهة التي تجيء منها التوجيهات، وهذا هو المصدر الحقيق بالاتباع، والنص يتضمن لمسات موحية تكمن في صياغة التعبير: (واتبع ما يوحى إليك من ربك). فالوحي (إليك) بهذا التخصيص. والمصدر (من ربك) بهذه الإضافة. فالاتباع هنا متعين بحكم هذه الموحيات الحساسة، فوق ما هو متعين بالأمر الصادر من صاحب الأمر المطاع.
التعقيب: (إن الله كان بما تعملون خبيرا).. فهو الذي يوحي عن خبرة بكم وبما تعملون؛ وهو الذي يعلم حقيقة ما تعملون، ودوافعكم إلى العمل من نوازع الضمير.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمقصود من الأمر باتباعه أنه أمر باتباع خاص تأكيد للأمر العام باتباع الوحي. وفيه إيذان بأن ما سيوحى إليه قريبا هو ما يشق عليه وعلى المسلمين من إبطال حكم التبني لأنهم ألفوه واستقر في عوائدهم وعاملوا المتبنين معاملة الأبناء الحق. ولذلك ذيلت جملة (واتبع ما أوحي إليك) بجملة (إن الله كان بما تعملون خبيرا) تعليلا للأمر بالاتباع وتأنيسا به لأن الله خبير بما في عوائدكم ونفوسكم فإذا أبطل شيئا من ذلك فإن إبطاله من تعلق العلم بلزوم تغييره فلا تتريثوا في امتثال أمره في ذلك...
وفي إفراد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله (واتبع) وجمعه بما يشمله وأمته في قوله (بما تعملون) إيماء إلى أن فيما سينزل من الوحي ما يشتمل على تكليف يشمل تغيير حالة كان النبي عليه الصلاة والسلام مشاركا لبعض الأمة في التلبس بها وهو حكم التبني، إذ كان النبي متبنيا زيد بن حارثة من قبل بعثته. وقرأ الجمهور (بما تعملون) بتاء الخطاب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم والأمة لأن هذا الأمر أعلق بالأمة.
وقرأ أبو عمرو وحده (بما يعملون) بالمثناة التحتية على الغيبة على أنه راجع للناس كلهم شامل للمسلمين والكافرين والمنافقين ليفيد مع تعليل الأمر بالاتباع تعريضا بالمشركين والمنافقين بمحاسبة الله إياهم على ما يبيتونه من الكيد، وكناية عن إطلاع الله رسوله على ما يعلم منهم في هذا الشأن كما سيجيئ، (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم) أي لنطلعنك على ما يكيدون به ونأذنك بافتضاح شأنهم...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} وهذا هو الخط الثالث الذي يمثل خط السير المستقيم الذي يؤكد البداية والنهاية وما بينهما، فللمسلم فكره الذي أوحى به الله، وشريعته التي جاء بها الرسول، ومنهجه الذي تحدث به القرآن، مما يتضمنه عنوان الإسلام في مضمونه العقيدي والحركي، فليس للمسلم أن ينحرف أو يبتعد عنه، بل لا بد له من أن يلتزمه بكل دقائقه وتفاصيله، لأن ذلك هو المعنى الدقيق للشخصية الإسلامية في ملامحها الواقعية.
وذلك هو الذي ينبغي أن يستشعره في داخل وعيه الإسلامي من خلال الإيمان بما أكدته الآية من اطلاع الله على كل ما يعمله الإنسان المسلم في كل حياته السرية والعلنية.