{ 99 - 101 } { كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا }
يمتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بما قصه عليه من أنباء السابقين ، وأخبار السالفين ، كهذه القصة العظيمة ، وما فيها من الأحكام وغيرها ، التي لا ينكرها أحد من أهل الكتاب ، فأنت لم تدرس أخبار الأولين ، ولم تتعلم ممن دراها ، فإخبارك بالحق اليقين من أخبارهم ، دليل على أنك رسول الله حقا ، وما جئت به صدق ، ولهذا قال : { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا } أي : عطية نفيسة ، ومنحة جزيلة من عندنا . { ذِكْرًا } وهو هذا القرآن الكريم ، ذكر للأخبار السابقة واللاحقة ، وذكر يتذكر به ما لله تعالى من الأسماء والصفات الكاملة ، ويتذكر به أحكام الأمر والنهي ، وأحكام الجزاء ، وهذا مما يدل على أن القرآن مشتمل على أحسن ما يكون من الأحكام ، التي تشهد العقول والفطر بحسنها وكمالها ، ويذكر هذا القرآن ما أودع الله فيها ، وإذا كان القرآن ذكرا للرسول ولأمته ، فيجب تلقيه بالقبول والتسليم والانقياد والتعظيم ، وأن يهتدى بنوره إلى الصراط المستقيم ، وأن يقبلوا عليه بالتعلم والتعليم .
ثم أشار - سبحانه - بعد ذلك إلى العبرة من قصص الأولين ، وإلى التنويه بشأن القرآن الكريم ، وإلى أن يوم القيامة آت لا ريب فيه ، فقال - تعالى - : { كذلك نَقُصُّ . . . } .
الكاف فى قوله - تعالى - : { كذلك } فى محل نصب نعت لمصدر محذوف ، أى : نقص عليك - أيها الرسول الكريم - من أنباء ما قد سبق من أحوال الأمم الماضية ، قصصا مثل ما قصصناه عليك عن موسى وهارون . وما دار بينهما وبين فرعون وبين بنى إسرائيل .
و { مِنْ } فى قوله { مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } للتبعيض ، ويشهد لذلك أن القرآن قد صرح فى كثير من آياته ، أن الله - تعالى - لم يقص على الرسول - صلى الله عليه وسلم - جميع أحوال الأمم السابقة ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } ومن فوائد ما قصه الله - تعالى - عليه من أنباء السابقين : زيادة علمه - صلى الله عليه وسلم - ، وتكثير معجزاته ، وتثبيت فؤاده ، وتسليته عما أصابه من سفهاء قومه ، وتذكير المؤمنين بأحوال تلك الأمم السابقة ليعتبروا ويتعظوا .
وقوله - سبحانه - : { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } تنويه وتعظيم لشأن القرآن الكريم .
أى : وقد أعطيناك ومنحناك من عندنا وحدنا { ذِكْراً } عظيما . وهو القرآن الكريم ، كما قال - تعالى - : { وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } قال الفخر الرازى : وفى تسمية القرآن بالذكر وجوه :
أحدها أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم .
وثانيها : أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه على الناس ، ففيه التذكير والوعظ .
وثالثها : أنه فيه الذكر والشرف لك ولقومك ، كما قال - سبحانه - { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ، وقد آتيناك من لدنا ذكرا . من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا . خالدين فيه ، وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا . يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا . نحن أعلم بما يقولون : إذ يقول أمثلهم طريقة : إن لبثتم إلا يوما . .
كذلك القصص الذي أوحينا إليك بشأن موسى نقص عليك من أنباء ما قد سبق . نقصه عليك في القرآن - ويسمى القرآن ذكرا ، فهو ذكر لله ولآياته ، وتذكير بما كان من هذه الآيات في القرون الأولى .
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كما قَصَصْنَا عليك خبر موسى ، وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع ، كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص ، هذا { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا } أي : عندنا { ذِكْرًا } وهو القرآن العظيم ، الذي { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] ، الذي لم يعط نبي من الأنبياء [ منذ بعثوا إلى أن ختموا ]{[19489]} بمحمد صلى الله عليه وسلم تسليما ، كتابًا مثله ولا أكمل منه ، ولا أجمع لخبر ما سبق وخبر ما هو كائن ، وحكم الفصل بين الناس منه ؛ ولهذا قال تعالى : { مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.