إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ مَا قَدۡ سَبَقَۚ وَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكۡرٗا} (99)

وقوله تعالى : { كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ } كلامٌ مستأنف خوطب به النبيُّ عليه السلام بطريق الوعدِ الجميل بتنزيل أمثالِ ما مر من أنباء الأممِ السالفة ، وذلك إشارةٌ إلى اقتصاص حديثِ موسى عليه السلام ، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلو رتبتِه وبُعدِ منزلتِه في الفضل ، ومحلُّ الكاف النصبُ على أنه نعتٌ لمصدر مقدّر أي نقص عليك { مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ } من الحوادث الماضيةِ الجارية على الأمم الخاليةِ قصًّا مثلَ ذلك القَصِّ المارِّ ، والتقديمُ للقصر المفيدِ لزيادة التعيين ، ومن في قوله تعالى : { مِنْ أَنْبَاء } في حيز النصب إما على أنه مفعولُ نقُصّ باعتبار مضمرٍ فيه وإما على أنه متعلقٌ بمحذوف هو صفةٌ للمفعول كما في قوله تعالى : { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي جمْعٌ دون ذلك ، والمعنى نقصّ عليك بعضَ أنباءِ ما قد سبق أو بعضاً كائناً من أنباء ما قد سبق ، وقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى : { وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ } الخ ، وتأخيرُه عن عليك لما مر مراراً الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أي مثلَ ذلك القصِّ البديعِ الذي سمِعتَه نقصّ عليك ما ذكر من الأنباء لا قصًّا ناقصاً عنه تبصِرةً لك وتوقيراً لعلمك وتكثيراً لمعجزاتك وتذكيراً للمستبصرين من أمتك .

{ وَقَدْ آتيناك مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } أي كتاباً منطوياً على الأقاصيص والأخبارِ حقيقاً بالتفكير والاعتبار ، وكلمةُ مِنْ متعلقةٌ بآتيناك وتنكيرُ ذكراً للتفخيم وتأخيرُه عن الجارّ والمجرور لما أن مرجِعَ الإفادةِ في الجملة كونُ المؤتى من لدنه تعالى ذكراً عظيماً وقرآناً كريماً جامعاً لكل كمالٍ ، لا كونُ ذلك الذي مر مُؤْتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طولٍ بما بعده من الصفة ، فتقديمُه يذهب برونق النظمِ الكريم .