معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

قوله عز وجل : { وقالوا لن نؤمن لك } لن نصدقك ، { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } ، قرأ أهل الكوفة و يعقوب ، تفجر بفتح التاء وضم الجيم مخففاً ، لأن الينبوع واحد ، وقرأ الباقون بالتشديد من التفجير ، واتفقوا على تشديد قوله : { فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً } ، لأن الأنهار جمع ، والتشديد يدل على التكثير ، ولقوله ( تفجيراً ) من بعد . وروي عكرمة عن ابن عباس : أن عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وأبا سفيان بن حرب ، والنضر بن الحارث ، وأبا البختري بن هشام ، والأسود بن عبد المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، ونبيهاً ومنبهاً ابني الحجاج ، اجتمعوا ومن اجتمع معهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك ، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً ، وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء ، وكان عليهم حريصاً ، يحب رشدهم حتى جلس إليهم ، فقالوا : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بينك وبيننا ، فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تطلب الشرف سودناك علينا ، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان هذا الأمر الذي بك رئي تراه قد غلب عليك ، لا تستطيع رده ، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه ، أو نعذر فيك ، وكانوا يسمون التابع من الجن : الرئي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا الشرف عليكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل علي كتاباً ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . فقالوا : يا محمد إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد أضيق منا بلاداً ولا أشد منا عيشاً ، فسل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال ، فقد ضيقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ويفجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخاً صدوقاً ، فنسألهم عما تقول : أحق هو أم باطل ؟ فإن صدقوك صدقناك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بهذا بعثت ، فقد بلغتكم ما أرسلت به ، فإن تقبلوه مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه أصبر لأمر الله . قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكاً يصدقك ، واسأله أن يجعل لك جناناً وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه . فقال : ما بعثت بهذا ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً . قالوا : فأسقط السماء كما زعمت ، إن ربك لو شاء فعل . فقال : ذلك إلى الله إن شاء فعل ذلك بكم فعله . وقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معه عبد الله بن أبي أمية ، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا عليك فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله تعالى فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب ، فلم تفعل ، فوالله لا أؤمن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ترقى فيها وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً لما رأى من مباعدتهم ، فأنزل الله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض } يعني : أرض مكة ينبوعاً ، أي : عيوناً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

فيقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان وآية : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا } أي : أنهارًا جارية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات رواية طويلة ملخصها : " أن نفرا من زعماء قريش اجتمعوا عند الكعبة ، وطلبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءهم ، فقالوا له يا محمد : إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك ، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ! ! لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين . وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة . . .

فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب مالاً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تطلب شرفا فينا ، سودناك علينا ، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا . . .

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بى شئ مما تقولون ، ولكن الله بعثنى إليكم رسولاً ، وأنزل على كتابًا ، وأمرنى أن أكون بشيرًا ونذيرًا ، فبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ، فإن تقبلوا منى فهو حظكم من الدنيا والآخرة ، وإن تردوه على أصبر لأمر الله - تعالى - حتى يحكم بينى وبينكم .

فقالوا له يا محمد : فإن كنت صادقًا فيما تقول ، فسل لنا ربك الذى بعثك ، فليسير عنا هذا الجبل الذى قد ضيق علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، ويفجر فيها الأنهار ، ويبعث من مضى من آبائنا ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل . .

وسله أن يبعث معك ملكا يصدقك ، واسأله أن يجعل لك جنانا وقصورًا أو كنوزًا من ذهب وفضة . تعينك على معاشك .

فقال صلى الله عليه وسلم ما بعثت بهذا . فقالوا : فأسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا . . .

وقال أحدهم : لا أومن بك أبدًا ، حتى تتخذ لك سلمًا إلى السماء ترقى فيه ، ونحن ننظر إليك . .

فانصرف صلى الله عليه وسلم عنهم حزينًا ، لما رأى من تباعدهم عن الهدى ، فأنزل الله عليه هذه الآيات تسلية له . . . " .

والمعنى : وقال المشركون الذين لا يرون لقاءنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم يا محمد : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ } ونتبعك فيما تدعونا إليه .

{ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً } أى : حتى تخرج لنا من أرض مكة القليلة المياه ، { ينبوعًا } أى : عينا لا ينضب ماؤها ولا يغور .

يقال : نبع الماء من العين ينبع - بتثليث الباء فيهما - إذا خرج وظهر وكثر .

وقرأ بعض السبعة { تفجر } بالتخفيف - من باب نصر - وقرأ البعض الآخر { تفجر } بتشديد الجيم ، من فجر بالتشديد ، والتضعيف للتكثير .

والتعريف فى لفظ { الأرض } للعهد ، لأن المراد بها أرض مكة .

وعبر بكلمة { ينبوعًا } للإِشعار بأنهم لا يريدون من الماء ما يكفيهم فحسب ، وإنما هم يريدون ماء كثيرًا لا ينقص فى وقت من الأوقات ، إذ الياء زائدة للمبالغة

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

73

وعلقوا إيمانهم بالرسول [ ص ] بأن يفجر لهم من الأرض ينبوع

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً } .

يقول ذكره : وقال يا محمد ، المشركون بالله من قومك لك : لن نصدّقك ، حتى تفجّر لنا من أرضنا هذه عينا تنبع لنا بالماء .

وقوله يَنْبُوعا يفعول من قول القائل : نبع الماء : إذا ظهر وفار ، ينْبُع ويَنْبَع ، وهو ما نبع . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله حتى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا : أي حتى تفْجُر لنا من الأرض عيونا : أي ببلدنا هذا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله حتى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا قال : عيونا .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يَنْبُوعا قال : عيونا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله تَفْجُرَ فروي عن إبراهيم النخعيّ أنه قرأ حتى تَفْجُرَ لَنا خفيفة وقوله فَتُفَجّرَ الأنهَارَ خِلاَلَها تَفْجِيرا بالتشديد ، وكذلك كانت قراء الكوفيين يقرءونها ، فكأنهم ذهبوا بتخفيفهم الأولى إلى معنى : حتى تفجر لنا من الأرض ماء مرّة واحدة . وبتشديدهم الثانية إلى أنها تفجر في أماكن شتى ، مرّة بعد أخرى ، إذا كان ذلك تفجر أنهار لا نهر واحد والتخفيف في الأولى والتشديد في الثانية على ما ذكرت من قراءة الكوفيين أعجب إليّ لما ذكرت من افتراق معنييهما ، وإن لم تكن الأولى مدفوعة صحتها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

وقوله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك } الآية ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «حتى تُفجّر »{[7702]} ، وقرأ عاصم وحمزة الكسائي حتى «تَفجُر » بفتح التاء وضم الجيم ، وفي القرآن { فانفجرت }{[7703]} [ البقرة : 60 ] ، وانفجر مطاوع فجر فهذا مما يقوي القراءة الثانية ، وأما الأولى فتقتضي المبالغة في التفجير . و «الينبوع » الماء النابع ، وهي صفة مبالغة إنما تقع للماء الكثير ، وطلبت قريش هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وإياها عنوا ب { الأرض } ، وإنما يراد بإطلاق لفظة { الأرض } هنا الأرض التي يكون فيها المعنى المتكلم فيه ، كقوله { أو ينفوا من الأرض }{[7704]} [ المائدة : 33 ] فإنما يريد من أرض تصرفهم وقطعهم السبل ومعاشهم ، وكذلك أيضاً اقتراحهم الجنة إنما هو بمكة لامتناع ذلك فيها ، وإلا ففي سائر البلاد كان ذلك يمكنه وإنما طلبوه بأمر إلهي في ذلك الموضع الجدب ، وقرأ الجمهور «جنة » ، وقرأ «حبة » المهدوي ، وقوله { فتفجّر } . تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية ، كقوله سبحانه : ( وغلقت الأبواب ){[7705]} ، و { خلالها } ظرف ، ومعناه أثناءها وفي داخلها ، وروي في قول هذه المقالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث طويل ، مقتضاه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وعبد الله بن أبي أمية ، والنضر بن الحارث وغيرهم من مشيخة قريش وسادتها ، اجتمعوا عليه فعرضوا عليه أن يملكوه إن أراد الملك ، أو يجمعوا له كثيراً من المال إن أراد الغنى ، أو ُيِطُّبوه إن كان به داء ونحو هذا من الأقاويل ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إلى الله ، وقال «إنما جئتكم عند الله بأمر فيه صلاح دينكم ودنياكم ، فإن سمعتم وأطعتم فحسن ، وإلا صبرت لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم بما شاء » ، فقالوا له حينئذ فإن كان ما تزعمه حقاً ففجر ينبوعاً ونؤمن لك ، ولتكن لك جنة إلى غير ذلك مما كلفوه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :«هذا كله إلى الله ، ولا يلزمني هذا ولا غيره ، وإنما أنا مستسلم لأمر الله تعالى »{[7706]} ، هذا هو معنى الحديث . وفي الألفاظ اختلاف وروايات متشعبة يطول سوق جميعها ، فاختصرت لذلك .


[7702]:بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم مع الكسرة. وهي تدل على كثرة الانفجار من الينبوع، وقراءة التخفيف تتجه إلى أن الينبوع واحد.
[7703]:من قوله تعالى في الآية (60) من سورة (البقرة): {وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا}.
[7704]:من الآية (33) من سورة (المائدة).
[7705]:من الآية (23) من سورة (يوسف).
[7706]:الحديث طويل، وهو بنصه الطويل في تفسير الطبري، والقرطبي، وفي الدر المنثور، وتفسير ابن كثير، وقد أخرجه ابن جرير، وابن إسحق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي الألفاظ اختلاف باختلاف الروايات كما قال المؤلف رحمه الله.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

عطف جملة { وقالوا } على جملة { فأبى أكثر الناس إلا كفورا } [ الإسراء : 89 ] ، أي كفروا بالقرآن وطالبوا بمعجزات أخرى .

وضمير الجمع عائد إلى أكثر الناس الذين أبوا إلا كفوراً ، باعتبار صدور هذا القول بينهم وهم راضون به ومتمالئون عليه متى علموه ، فلا يلزم أن يكون كل واحد منهم قال هذا القول كله بل يكون بعضهم قائلاً جميعه أو بعضهم قائلاً بعضه .

ولما اشتمل قولهم على ضمائر الخطاب تعين أن بعضهم خاطب به النبي مباشرة إما في مقام واحد وإما في مقامات . وقد ذكر ابن إسحاق : أن عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبا سفيان بن حرب ، والأسود بن المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، وناساً معهم اجتمعوا بعد غروب الشمس عند الكعبة وبعثوا إلى النبي أن يأتيهم . فأسرع إليهم حرصاً على هداهم ، فعاتبوه على تسفيه أحلامهم والطعن في دينهم . وعرضوا عليه ما يشاء من مال أو تسويد . وأجابهم بأنه رسول من الله إليهم لا يبتغي غير نصحهم ، فلما رأوا منه الثبات انتقلوا إلى طلب بعض ما حكاه الله عنهم في هذه الآية .

وروي أن الذي سأل ما حكي بقوله تعالى : { أو ترقى في السماء } إلى آخره ، هو عبد الله بن أبي أمية المخزومي .

وحكى الله امتناعهم عن الإيمان بحرف ( لن ) لمفيد للتأييد لأنهم كذلك قالوه .

والمراد بالأرض : أرض مكة ، فالتعريف للعهد . ووجه تخصيصها أن أرضها قليلة المياه بعيدة عن الجنات .

والتفجير : مصدر فجر بالتشديد مبالغة في الفَجْر ، وهو الشق باتساع . ومنه سمي فجر الصباح فجراً لأن الضوء يشق الظلمة شقاً طويلاً عريضاً ، فالتفجير أشد من مطلق الفجر وهو تشقيق شديد باعتبار اتساعه . ولذلك ناسب الينبوع هنا والنهر في قوله تعالى : { وفجرنا خلالها نهراً } [ الكهف : 33 ] وقوله : { فتفجر الأنهار } .

وقرأه الجمهور بضم التاء وتشديد الجيم على أنه مضارع ( فجر ) المضاعف . وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بفتح التاء وسكون الفاء وضم الجيم مخففة على أنه مضارع فجر كنصَر ، فلا التفات فيها للمبالغة لأن الينبوع يدل على المقصود أو يعبر عن مختلف أقوالهم الدالة على التصميم في الامتناع .

ومعنى { لن نؤمن لك } لن نصدقك أنك رسول الله إلينا .

والإيمان : التصديق . يقال : آمنه ، أي صدقه . وكثر أن يعدى إلى المفعول باللام ، قال تعالى : { وما أنت بمؤمن لنا } [ يوسف : 17 ] وقال { فآمن له لوط } [ العنكبوت : 26 ] . وهذه اللام من قبيل ما سماه في « مغني اللبيب » لام التنبيين . وغفل عن التمثيل لها بهذه الآية ونحوها ، فإن مجرور اللام بعد فعل { نؤمن } مفعول لا التباس له بالفاعل وإنما تذكر اللام لزيادة البيان والتوكيد .

وقد يقال : إنها لدفع التباس مفعول فعل « آمن » بمعنى صدق بمفعول فعل ( آمن ) إذا جعله أميناً . وتقدم قوله تعالى ؛ { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه } في سورة [ يونس : 83 ] .

والينبوع : اسم للعين الكثيرة النبع التي لا ينضب ماؤها . وصيغة يفعول صيغة مبالغة غير قياسية ، والينبوع مشتقة من مادة النبع ؛ غير أن الأسماء الواردة على هذه الصيغة مختلفة ، فبعضها ظاهر اشتقاقه كالينبوع والينبوت ، وبعضها خفي كاليعبوب للفرس الكثير الجري . وقيل : اشتق من العَب المجازي . ومنه أسماء معربة جاء تعريبها على وزن يفعول مثل ؛ يَكْسوم اسم قائد حبشي ، ويرموك اسم نهر . وقد استقرى الحسن الصاغاني ما جاء من الكلمات في العربية على وزن يفعول في مختصر له مرتب على حروف المعجم . وقال السيوطي في « المزهر » : إن ابن دريد عقد له في « الجمهرة » باباً .