الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا} (90)

أخرج ابن جرير وابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلا من بني عبد الدار وأبا البختري - أخا بني أسد - والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيهاً ومنبهاً ابني الحجاج السهميين ، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه : أن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك ، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً وهو يظن أنهم قد بدا لهم في أمره بدء ، وكان عليهم حريصاً يجب رشدهم ويعز عليه عنتهم ، حتى جلس إليهم فقالوا : «يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنعذرك ، وإنا والله . . . ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة ، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك . فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ؛ وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا ؛ وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ؛ وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي - فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون . . . ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا فيئكم ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليَّ كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم . . . . فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ؛ وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . فقالوا : يا محمد ، فإن كنت غير قابل منّا ما عرضنا عليك ، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلاداً ولا أقل مالاً ولا أشد عيشاً منا ، فاسأل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا وليجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخاً صدوقاً فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل ؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك ، صدقناك وعرفنا به منزلتك من عند الله ، وإنه بعثك رسولاً .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بهذا بعثت ، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به ، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم . فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . قالوا : فإن لم تفعل لنا فخر لنفسك فاسأل ربك أن يبعث ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وتسأله أن يجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي - فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه - حتى نعرف منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بفاعل . . . . ما أنا بالذي يسأل ربه هذا . . . وما بُعثتُ إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً ، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ؛ وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . قالوا : فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ، فأنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك . قالوا : يا محمد ، قد علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب ، فيتقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ويخبرك بما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به ، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً فقد أعذرنا إليك يا محمد أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا . وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية فقال : يا محمد ، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك عند الله فلم تفعل ذلك ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب . فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر ، حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك . ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً أسفاً لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه ، ولما رأى من متابعتهم إياه . وأنزل عليه فيما قال له عبد الله بن أبي أمية : { وقالوا لن نؤمن لك . . . } إلى قوله : { بشراً رسولاً } وأنزل عليه في قولهم لن نؤمن بالرحمن

{ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت . . . . } [ الرعد : 30 ] الآية . وأنزل عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الجبال ، وبعث من مضى من آبائهم الموتى { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال . . . . } [ الرعد : 31 ] الآية .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { وقالوا لن نؤمن لك } قال : نزلت في أخي أم سلمة ، عبد الله بن أبي أمية .

وأخرح ابن جرير عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه ، أنه قرأ { حتى تفجر لنا } خفيفة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } أي ببلدنا هذا .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ينبوعاً } قال : عيوناً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : الينبوع ، هو الذي يجري من العين .