فحينئذ ندم نوح ، عليه السلام ، ندامة شديدة ، على ما صدر منه ، و { قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين ، ودل هذا على أن نوحا ، عليه السلام ، لم يكن عنده علم ، بأن سؤاله لربه ، في نجاة ابنه محرم ، داخل في قوله { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } بل تعارض عنده الأمران ، وظن دخوله في قوله : { وَأَهْلَكَ }
وبعد ذلك تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم ، والمراجعة فيهم .
وهنا بين الله - تعالى - أن نوحا - عليه السلام - قد تنبيه إلى ما أرشده إليه ربه ، فبادر بطلب العفو والصفح منه - سبحانه – فقال : { قَالَ رَبِّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ . . . } .
أى : قال نوح - عليه السلام - ملتمسا الصفح من ربه : رب إن أستجير بك ، وأحتمى بجنابك من أن أسألك شيئا بعد الآن ، ليس عندى علم صحيح بأنه جائز ولائق { وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي } ما فرط منى من قول ، وما صدر عنى من فعل .
{ وترحمني } برحمتك الواسعة التى وسعت كل شئ .
{ أَكُن مِّنَ الخاسرين } الذين خسروا أنفسهم بالاحتجاب عن عملك وحكمتك .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ إِنّيَ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيَ أَكُن مّنَ الْخَاسِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن إنابة نوح عليه السلام بالتوبة إليه من زلته في مسألته التي سألها ربه في ابنه قَالَ رَبّ إنّي أعُوذُ بِكَ أي أستجير بك أن أتكلف مسألتك ، ما لَيسَ لِي بهِ عِلْم مما قد استأثرت بعلمه وطويت علمه عن خلقك ، فاغفر لي زلتي في مسألتي إياك ما سألتك في ابني ، وإن أنت لم تغفرها لي وترحمني فتنقذني من غضبك أكُنْ منَ الخاسرينَ يقول : من الذين غَبنَوا أنفسهم حظوظها وهلكوا .
هذه الآية فيها إنابة نوح وتسليمه لأمر الله تعالى واستغفاره بالسؤال الذي وقع النهي عليه والاستعاذة والاستغفار منه هو سؤال العزم الذي معه محاجة وطلبة ملحة فيما قد حجب وجه الحكمة فيه ؛ وأما السؤال في الأمور على جهة التعلم والاسترشاد فغير داخل في هذا .
وظاهر قوله : { فلا تسألنِ ما ليس لك به علم } [ هود : 46 ] يعم النحويين من السؤال ، فلذلك نبهت على أن المراد أحدهما دون الآخر ، و «الخاسرون » هم المغبونون حظوظهم من الخير .
أجاب نوح عليه السّلام كلام ربّه بما يدل على التنصّل ممّا سأل فاستعاذ أن يسأل ما ليس له به علم ، فإن كان نوح عليه السّلام أراد بكلامه الأول التعريض بالسؤال فهو أمر قد وقع فالاستعاذة تتعلق بتبعة ذلك أو بالعود إلى مثله في المستقبل ؛ وإن كان إنّما أراد التمهيد للسؤال فالاستعاذة ظاهرة ، أي الانكفاف عن الإفضاء بالسؤال .
وقوله : { وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } طلب المغفرة ابتداء لأن التخلية مقدمة على التحلية ثم أعقبها بطلب الرحمة لأنّه إذا كان بمحل الرضى من الله كان أهلاً للرحمة .
وقد سلك المفسرون في تفسيرهم هذه الآيات مسلك كون سؤال نوح عليه السّلام سؤالاً لإنجاء ابنه من الغرق فاعترضتهم سبل وَعْرة متنائية ، ولقوا عناء في الاتصال بينها ، والآية بمعزل عنها ، ولعلنا سلكنا الجادة في تفسيرها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قال رب إني أعوذ بك أن أسئلك} بعد النهي {ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي} ذنبي، يعني مقالي، {وترحمني} فلا تعذبني، {أكن من الخاسرين} في العقوبة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن إنابة نوح عليه السلام بالتوبة إليه من زلته في مسألته التي سألها ربه في ابنه "قَالَ رَبّ إنّي أعُوذُ بِكَ "أي: أستجير بك أن أتكلف مسألتك، "ما لَيسَ لِي بهِ عِلْم" مما قد استأثرتَ بعلمه وطويتَ علمه عن خلقك، فاغفر لي زلتي في مسألتي إياك ما سألتك في ابني، وإن أنت لم تغفرها لي وترحمني فتنقذني من غضبك "أكُنْ منَ الخاسرينَ" يقول: من الذين غَبنَوا أنفسهم حظوظها وهلكوا...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
..."إني أعوذ بك أن أسالك ما ليس لي به علم"؛ فالعياذة: طلب النجاة بما يمنع من الشر... والعياذ: الاعتصام بما يمنع من الشر. والمعنى إني أعتصم بك أن اسالك ما لا أعلمه، وإنما اعتصم من ذلك، لأن ما يعلمه الإنسان يجوز أن يكون حسنا ويجوز كونه قبيحا. ولا يحسن أن يسأل ما يجوز كونه قبيحا وإن شرط حسن السؤال. وينبغي أن يشرط إن كان ما سأله حسنا فيحسن السؤال حينئذ...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
نَسِيَ نوحٌ- عليه السلام- حديثَ ابنه في حديث نفسه، فاستعاذ بفضله واستجار بلطِفه، فوجد السلامةَ من ربِّه في قوله جل ذكره: {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم}...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
فاعتذر نوح عليه السلام لما أعلمه الله سبحانه أنه لا يجوز له أن يسأل ذلك وقال {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي} جهلي {وترحمني أكن من الخاسرين}.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَنْ أَسْأَلَكَ} من أن أطلب منك في المستقبل ما لا علم لي بصحته، تأدباً بأدبك واتعاظاً بموعظتك {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي} ما فرط مني من ذلك {وَتَرْحَمْنِي} بالتوبة عليّ {أَكُن مّنَ الخاسرين} أعمالاً...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه الآية فيها إنابة نوح وتسليمه لأمر الله تعالى واستغفاره بالسؤال الذي وقع النهي عليه والاستعاذة والاستغفار منه هو سؤال العزم الذي معه محاجة وطلبة ملحة فيما قد حجب وجه الحكمة فيه؛ وأما السؤال في الأمور على جهة التعلم والاسترشاد فغير داخل في هذا...
و «الخاسرون» هم المغبونون حظوظهم من الخير.
اعلم أنه تعالى لما نهاه عن ذلك السؤال، حكى عنه أنه قال: {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} والمعنى أنه تعالى لما قال له: {فلا تسألني ما ليس لك به علم} فقال عند ذلك قبلت يا رب هذا التكليف، ولا أعود إليه إلا أني لا أقدر على الاحتراز منه إلا بإعانتك وهدايتك، فلهذا بدأ أولا بقوله: {إني أعوذ بك}. واعلم أن قوله: {إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم} إخبار عما في المستقبل، أي لا أعود إلى هذا العمل، ثم اشتغل بالاعتذار عما مضى، فقال: {وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} وحقيقة التوبة تقتضي أمرين: أحدهما: في المستقبل، وهو العزم على الترك وإليه الإشارة بقوله: {إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم} والثاني: في الماضي وهو الندم على ما مضى وإليه الإشارة بقوله: {وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}...
جهود القرافي في التفسير 684 هـ :
أي: بجواز سؤاله، فاشترط العلم بالجواز قبل الإقدام على الدعاء، وهو يدل أن الأصل في الدعاء التحريم إلا ما دل الدليل على جوازه. (الفروق: 4/256).
معناه: ما ليس لي بجواز سؤاله علم فدل ذلك على أنه لا يجوز له أن يقدم على الدعاء والسؤال إلا بعد علمه بحكم الله تعالى في ذلك السؤال، وأنه جائز، وذلك بسبب كونه عليه السلام عوقب على سؤاله عز وجل لابنه أنه يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد، وأنه مما ينبغي طلبه أم لا. (نفسه: 2/148)...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{قَالَ رَبّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ} أي أطلب منك من بعدُ {مَا لَيْسَ لي بِهِ عِلْمٌ} أي مطلوباً لا أعلم أن حصولَه مقتضي الحِكمة أو طلباً لا أعلم أنه صوابٌ سواءٌ كان معلومَ الفسادِ أو مشتبِهَ الحالِ أو لا أعلمُ أنه صوابٌ أو غيرُ صوابٍ على ما مر، وهذه توبةٌ منه عليه السلام مما وقع منه وإنما لم يقُلْ: أعوذ بك منه أو من ذلك مبالغةً في التوبة وإظهاراً للرغبة والنشاطِ فيها وتبركاً بذكر ما لقّنه الله تعالى، وهو أبلغُ من أن يقول: أتوبُ إليك أن أسألَك لما فيه من الدِلالة على كون ذلك أمراً هائلاً محذوراً لا محيصَ منه إلا بالعوذ بالله تعالى وأن قدرتَه قاصرةٌ عن النجاة من المكاره إلا بذلك {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لي} ما صدر عني من السؤال المذكورِ {وترحمني} بقَبول توبتي {أَكُن منَ الخاسرين} أعمالاً بسبب ذلك، فإن الذهولَ عن شكر الله تعالى لاسيما عند وصولِ مثلِ هذه النعمةِ الجليلةِ التي هي النجاةُ وهلاكُ الأعداءِ والاشتغالَ بما لا يعني خصوصاً بمبادي خلاصِ من قيلَ في شأنه إنه عملٌ غيرُ صالحٍ والتضرّعَ إلى الله تعالى في أمره معاملةٌ غيرُ رابحةٍ أو خسرانٌ مبينٌ. وتأخيرُ ذكرِ هذا النداءِ عن حكاية الأمرِ الواردِ على الأرض والسماءِ وما يتلوه من زوال الطوفانِ وقضاءِ الأمر واستواءِ الفُلك على الجوديّ والدعاءِ بالهلاك على الظالمين مع أن حقَّه أن يُذكر عَقيبَ قوله تعالى: {فَكَانَ مِنَ المغرقين} [هود، الآية43] حسبما وقع في الخارج إذ حينئذ يُتصوّر الدعاءُ بالإنجاء لا بعد العلمِ بالهلاكِ ليس لما قيل من استقلاله بغرض مُهمَ هو جعلُ قرابةِ الدين غامرةً لقرابة النسبِ، وأن لا يقدّم في الأمور الدينيةِ الأصوليةِ إلا بعد اليقينِ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{وترحمني} أي بالوقوف على ما تحب وترضى {أكن من الخاسرين} أي الذين خسروا أنفسهم، بالاحتجاب عن علمك وحكمتك.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
أي إني أعتصم وأحتمي بك من أن أسألك بعد الآن ما ليس لي علم صحيح بأنه جائز لائق {وإلا تغفر لي} أي وإن لم تغفر لي ذنب هذا السؤال الذي سولته لي رحمتي الأبوية، وطمعي برحمتك الربانية {وترحمني} بقبول توبتي الصادقة ورحمتك التي وسعت كل شيء {أكن من الخاسرين} فيما حاولته من الربح بنجاة أولادي كلهم وسعادتهم بطاعتك وأنت أعلم بهم مني والعبرة في هذه المسألة من وجوه.
أولها: إن سؤال نوح عليه السلام ما سأله لابنه لم يكن معصية لله تعالى خالف فيها أمره أو نهيه، وإنما كانت خطأ في اجتهاد رأي بنية صالحة، وإنما عدها الله تعالى ذنبا له لأنها كانت دون مقام العلم الصحيح اللائق بمنزلته من ربه، هبطت بضعفه البشري وما غرس في الفطرة من الرأفة بالأولاد إلى اتباع الظن، ومثل هذا الاجتهاد لم يعصم منه الأنبياء فيقعون فيه أحيانا ليشعروا بحاجتهم إلى تأديب ربهم وتكميله إياهم آنا بعد آن، بما يصعدون في معارج العرفان.
ثانيهما: إن الإيمان والصلاح لا علاقة له بالوراثة والأنساب، وقد يختلف باختلاف استعداد الأفراد، وما يحيط بهم من الأسباب، وما يكونون عليه من الآراء والأعمال، ولو كان بالوراثة لكان جميع ولد آدم كأبيهم، غاية ما يقع منهم معصية تقع عن النسيان وضعف العزم، وتتبعها التوبة واجتباء الرب، ثم لكان سلائل أبناء نوح المؤمنين الذين نجوا معه في السفينة كلهم مؤمنين صالحين، والمشهور أن نسل البشر انحصر فيهم، وقد دلت الآية الآتية على أن فيهم الصالحين وأيد ذلك الواقع، بل لما كان أحدهم المذكور هنا كافرا هالكا.
ثالثها: إن الله تعالى يجزي الناس في الدنيا والآخرة بإيمانهم وأعمالهم لا بأنسابهم، ولا يحابي أحدا منهم لأجل آبائه وأجداده الصالحين وإن كانوا من الأنبياء المرسلين، وأن من سأله من هؤلاء الآباء ما يخالف سننه في شرعه وحكمته في نظام خلقه، كان مذنبا يستحق التأديب، حتى يتوب وينيب.
رابعها: إن هؤلاء المغرورين بأنسابهم من الشرفاء الجاهلين بكتاب ربهم وما يليق بعظمة الربوبية، وعلو الألوهية، الجاهلين بسنة نبيهم، الذين يزعمون أنهم أفضل من العلماء العاملين، والصالحين المصلحين، والأغنياء الشاكرين، والفقراء الصابرين، وإن كانوا عراة مما كسا الله هؤلاء الأصناف من لباس التقوى والدين، وأنهم يستحقون سعادة الدنيا والآخرة بنسبهم، ويستحقها من عظمهم وأفاض عليهم من ماله بمحاباة الله له لأجلهم، أولئك هم الجاهلون الذين يشهد عليهم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهديه في إنذار عشيرته وأهل بيته، وكقوله لبنته سيدة نساء العالمين (يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا) رواه الشيخان من حديث طويل. هؤلاء الجاهلون المساكين يعدون أعدى أعدائهم من يدعوهم أو يدعو الناس إلى كتب الله وسنة رسوله خاتم النبيين، ويعدون أصدق أصدقائهم المبتدعين الخرافيين المشعوذين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أجاب نوح عليه السّلام كلام ربّه بما يدل على التنصّل ممّا سأل فاستعاذ أن يسأل ما ليس له به علم، فإن كان نوح عليه السّلام أراد بكلامه الأول التعريض بالسؤال فهو أمر قد وقع فالاستعاذة تتعلق بتبعة ذلك أو بالعود إلى مثله في المستقبل؛ وإن كان إنّما أراد التمهيد للسؤال فالاستعاذة ظاهرة، أي الانكفاف عن الإفضاء بالسؤال. وقوله: {وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} طلب المغفرة ابتداء لأن التخلية مقدمة على التحلية ثم أعقبها بطلب الرحمة لأنّه إذا كان بمحل الرضى من الله كان أهلاً للرحمة. وقد سلك المفسرون في تفسيرهم هذه الآيات مسلك كون سؤال نوح عليه السّلام سؤالاً لإنجاء ابنه من الغرق فاعترضتهم سبل وَعْرة متنائية، ولقوا عناء في الاتصال بينها، والآية بمعزل عنها، ولعلنا سلكنا الجادة في تفسيرها...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} مما لا يتفق مع الحق، لأن إيماني بك يفرض عليّ أن أريد ما تريده، وأرفض ما ترفضه في كل شيء، وأنت المسدّد لي في ذلك كله، وأنت الهادي إلى طريق الصواب، فأجرني من الانحراف، واعصمني من كل ما لا يلتقي مع إرادتك، {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي} في ما تعبّر عنه العبوديّة لله من خشوع واستكانة، تتمثل بطلب المغفرة والرحمة، وإن لم يكن هناك ذنب، لأن الكلمة أصبحت تعبيراً عن المضمون الروحي الخاشع أمام الله، أكثر مما هي تعبير عن مضمونها اللغوي، {أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} لأن الخسارة العظمى هي فقدان رحمة الله ومغفرته التي تمثل البعد عن مصدر القوّة الذي يمد الإنسان بالثبات والحياة...