معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

قوله تعالى : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } قال ابن عباس : الذين لا يقولون لا إله إلا الله وهي زكاة الأنفس ، والمعنى : لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد . وقال الحسن وقتادة : لا يقرون بالزكاة ، ولا يرون إيتاءها واجباً ، وكان يقال : الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك . وقال الضحاك ومقاتل : لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون . وقال مجاهد : لا يزكون أعمالهم . { وهم بالآخرة هم كافرون* }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المعرضين عن آيات الله من قومك : أيها القوم ، ما أنا إلا بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة لست بمَلك يُوحَى إليّ يوحي الله إليّ أن لا معبود لكم تصلح عبادته إلا معبود واحد فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ يقول : فاستقيموا إليه بالطاعة ، ووجهوا إليه وجوهكم بالرغبة والعبادة دون الاَلهة والأوثان وَاسْتَغْفِرُوهُ يقول : وسلوه العفو لكم عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم ، يتب عليكم ويغفر لكم .

وقوله : وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتَونَ الزّكاةَ وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يقول تعالى ذكره : وصديد أهل النار ، وما يسيل منهم للمدعين لله شريكا العابدين الأوثان دونه الذين لا يؤتون الزكاة .

اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : معناه : الذي لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم ، وتزَكّي أبدانهم ، ولا يوحدونه وذلك قول يُذكر عن ابن عباس . ذكر الرواية بذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ قال : هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله .

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قوله : وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ : الذين لا يقولون لا إله إلا الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : الذين لا يقرّون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها ، ولا يعطونها أهلها . وقد ذكرنا أيضا قائلي ذلك قبلُ . وقد :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ قال : لا يقرّون بها ولا يؤمنون بها . وكان يقال : إن الزكاة قنطرة الإسلام ، فمن قطعها نجا ، ومن تخلف عنها هلك وقد كان أهل الردّة بعد نبيّ الله قالوا : أما الصلاة فنصلّي ، وأما الزكاة فوالله لا تغصب أموالنا قال : فقال أبو بكر : والله لا أفرّق بين شيء جمع الله بينه واللّهِ لو منعوني عِقالاً مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ قال : لو زَكّوا وهم مشركون لم ينفعهم .

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : معناه : لا يؤدّون زكاة أموالهم وذلك أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة ، وأن في قوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ دليلاً على أن ذلك كذلك ، لأن الكفار الذين عنوا بهذه الاَية كانوا لا يشهدون أن لا إله إلا الله ، فلو كان قوله : الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ مرادا به الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله لم يكن لقوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ معنى ، لأنه معلوم أن من لا يشهد أن لا إله إلا الله لا يؤمن بالاَخرة ، وفي اتباع الله قوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ قوله : الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ ما ينبىء عن أن الزكاة في هذا الموضع معنيّ بها زكاة الأموال .

وقوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يقول : وهم بقيام الساعة ، وبعث الله خلقه أحياء من قبورهم ، من بعد بلائهم وفنائهم منكرون .