معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

قوله تعالى : { وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم } هذا جواب لقولهم هل هذا إلا بشر مثلكم يعني : إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالاً نوحى إليهم { فاسألوا أهل الذكر } يعني : أهل التوراة والإنجيل يريد : علماء أهل الكتاب ، فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشراً ، وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمر المشركين بمسألتهم لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم أقرب منهم إلى تصديق من آمن به . وقال ابن زيد : أراد بالذكر القرآن ، أراد فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن . { إن كنتم لا تعلمون* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

ثم بين - سبحانه - أن حكمته قد اقتضت أن يكون جميع الرسل من البشر وأن يعيشوا الحياة التى تقتضيها الطبيعة البشرية ، وأن يؤيدهم الله - تعالى - بالمعجزات الدالة على صدقهم ، فقال - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا . . . . } .

أى : وما أرسلنا قبلك - أيها الرسول الكريم - إلى الأمم السابقة إلا رسلا من البشر ، ليعيشوا حياة البشر ، ويتمكنوا من التعامل والتخاطب والتفاهم مع من هم من جنسهم ، ولو كان الرسل من غير البشر لما كانت هناك وشيجة ورابطة بينهم وبين أقوامهم .

وهذه الجملة رد مفحم على المشركين الجاهلين الذين استبعدوا أن يكون الرسول بشرا وقالوا قبل ذلك : { هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } وقوله - تعالى - : { نوحي إِلَيْهِمْ } استئناف مبين لكيفية الإرسال .

أى : اقتضت حكمتنا أن يكون الرسل من الرجال ، وأن نبلغهم ما نكلفهم به عن طريق الوحى المنزل إليهم من جهتنا .

وقوله - سبحانه - : { فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } توبيخ لهم وتجهيل ، لأنهم قالوا ما قالوا بدون تعقل أو تدبر .

والمراد بأهل الذكر : علماء أهل الكتاب الذين كان المشركون يرجعون إليهم فى أمور دينهم .

والفاء فى قوله : { فاسئلوا . . . } لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه .

أى : ما دامت قد بلغت بكم الجهالة أن تستبعدوا أن يكون الرسول بشرا فاسألوا أهل العلم فى ذلكن فسيبينون لكم أن الرسل السابقين لم يكونوا إلا رجالا .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } يريد أهل التوراة والإنجيل الذين آمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وسماهم أهل الذكر ، لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء ، مما لم تعرفه العرب ، وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب فى أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - .

وقال ابن زيد : أراد بالذكر : القرآن . أى : فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن . . . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

عطف جواب على جواب . والمقصود من هذا إبطال مقصودهم من قولهم { هل هذا إلا بشر مثلكم } [ الأنبياء : 3 ] إذا أرادوا أنه ليس بأهل للامتياز عنهم بالرسالة عن الله تعالى ، فبيّن خطأهم في استدلالهم بأن الرسل الأولين الذين اعترفوا برسالتهم ما كانوا إلا بشراً وأن الرسالة ليست إلا وحياً من الله لمن اختاره من البشر .

وقوله { إلا رجالاً } يقتضي أن ليس في النساء رسلاً وهذا مجمع عليه . وإنما الخلاف في نبوءة النساء مثل مريم أختتِ موسى ومريمَ أم عيسى . ثم عرّض بجهلهم وفضح خطأهم فأمرهم أن يسألوا أهل الذكر ، أي العلم بالكتب والشرائع السالفة من الأحبار والرهبان .

وجملة { فاسألوا أهل الذكر } الخ معترضة بين الجمل المتعاطفة .

وتوجيه الخطاب لهم بعد كون الكلام جرى على أسلوب الغيبة التفاتٌ ، ونكتته أن الكلام لما كان في بيان الحقائق الواقعة أعرض عنهم في تقريره وجعل من الكلام الموجه إلى كل سامع وجُعلوا فيه معبّراً عنهم بضمائر الغيبة ، ولما أريد تجهيلهم وإلجاؤهم إلى الحجة عليهم غُيِّر الكلام إلى الخطاب تسجِيلاً عليهم وتقريعاً لهم بتجهيلهم .