اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

اعلم أنه تعالى أجاب عن سؤالهم الأول وهو قولهم : { هَلْ{[27862]} هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } بقوله :

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ } فبين أن هذه عادة الله في الرسل من قبل محمد - عليه السلام-{[27863]} ولم يمنع ذلك من كونهم رسلاً ، وإذا صح ذلك فيهم فقد ظهر على محمد مثل آياتهم{[27864]} .

«فاسألوا أَهْلَ الذكر » يعني علماء أهل الكتاب حتى يعلموهم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشراً ، ولم يكونوا ملائكة ، وإنما أحلهم على أولئك ، لأنهم كانوا يتابعون المشركين في معاداة الرسول{[27865]} ، وأمر المشركين بمُساءلة أهل الكتاب ، لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقرب منهم إلى تصديق من آمن قال تعالى : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً }{[27866]} فإن قيل : إذا لم يوثق باليهود والنصارى فكيف يجوز أن يأمرهم بأن يسألوهم عن الرسل ؟

فالجواب : إذا تواتر خبرهم وبلغ حدّ الضرورة جاز ذلك ، لأنَّا نعلم بخير الكفار إذا تواتر كما نعلم بخبر المؤمنين{[27867]} . وقال ابن زيد : أراد بأهل الذكر المؤمنين{[27868]} ، وهو بعيد ، لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول .

فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للقاضي أن يرجع إلى فتيا العلماء وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر ، فبعيد ، لأن هذه الآية خطاب مشافهة ، وهي واردة{[27869]} في هذه الواقعة المخصوصة ، ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين{[27870]} .

قوله : { إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } جواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم{[27871]} عليه ، أي : «فَاسْأَلُوُهَم » ، ومفعولا العلم يجوز أن يراد ، أي : لا تعلمون أن ذلك كذلك ويجوز أن لا يراد ، أي : إن كنتم من غير ذوي العلم{[27872]} .


[27862]:في النسختين: ما.
[27863]:في ب: صلى الله عليه وسلم.
[27864]:انظر الفخر الرازي 22/144.
[27865]:انظر الفخر الرازي 22/144.
[27866]:[آل عمران: 186].
[27867]:انظر الفخر الرازي 22/144.
[27868]:انظر البغوي 5/476. والقرطبي 11/272.
[27869]:وارده: مكرر في ب.
[27870]:انظر الفخر الرازي 22/144.
[27871]:وهو قوله: "فاسألوا أهل الذكر" هذا مذهب جمهور البصريين الذين يرون أنه إذا تقدم على أداة الشرط ما يشبه الجواب فهو دليل عليه وليس إياه ويرى الكوفيون والمبرد وأبو زيد أنه الجواب نفسه. شرح الأشموني 4/15.
[27872]:أي أن "علم" يجوز أن تكون بمعنى "أيقن" ويجوز أن تكون بمعنى (عرف).