فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

{ وما أرسلنا } أي لم نرسل { قبلك } إلى الأمم السالفة { إلا رجالا } من البشر مخصوصين من أفراد جنسك متأهلين للاصطفاء والإرسال ، ولم نرسل إليهم ملائكة ، كما قال سبحانه : { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا } .

{ نوحي إليهم } مستأنفة لبيان كيفية الإرسال أو صفة { رجالا } أي متصفين بصفة الإيحاء إليهم ، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية ؛ ثم أمرهم الله بأن يسألوا أهل الذكر إن كانوا يجهلون هذا فقال :

{ فاسألوا أهل الذكر } هم أهل الكتابين اليهود والنصارى { إن كنتم لا تعلمون } أن رسل الله من البشر فإنهم لا يجهلون ذلك ولا ينكرونه وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

وتقدير الكلام إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أهل الذكر ، وتوجيه الخطاب إلى الكفرة لتبكيتهم واستنزالهم عن رتبة التكبر ، وقد استدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ ، ولو سلم لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنة ، لا عن الرأي البحت ، وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته ، والمقلد إذا سأل أهل الذكر عن كتاب الله وسنة رسوله لم يكن مقلدا . قال الرازي ومن الناس من قال المراد بأهل الذكر أهل القرآن وهو بعيد لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول صلى الله عليه وسلم . فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للعاميّ أن يرجع إلى فتيا العلماء ، وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر فبعيد لأن هذه الآية خطاب مشافهة وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين أه .

وقد قدمنا في سورة النحل أن سياق هذه الآية الكريمة يفيد أن المراد بها السؤال الخاص ، وبه يظهر لك أن هذه الآية دليل الإتباع لا التقليد فارجع إليه . وقد أوضح الشوكاني هذا في رسائل بسيطة ، منها ( القول المفيد في حكم التقليد ) ، ( وأدب الطلب ومنتهى الأرب ) وغيره في غيرها . ثم لما فرغ سبحانه عن الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال :