معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ} (28)

قوله تعالى : { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } وبين الناقة ، يوم لها ويوم لهم ، وإنما قال : بينهم لأن العرب إذا أخبرت عن نبي آدم والبهائم غلبت بني آدم على البهائم ، { كل شرب } نصيب من الماء ، { محتضر } يحضره من كانت نوبته ، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها ، وإذا كان يومهم حضروا شربهم ، وأحضر وحضر بمعنى واحد ، قال مجاهد : يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة ، فإذا جاءت الناقة حضروا اللبن .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ} (28)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ، ما أمر به نبيه صالحا - عليه السلام - فقال : { إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً لَّهُمْ فارتقبهم واصطبر وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } .

وقوله : { مُرْسِلُواْ الناقة } أى : مخرجوها وباعثوها ، لأنهم اقترحوا على نبيهم صالح أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدقه ، لكى يتبعوه ، فأخرج الله - تعالى - لهم تلك الناقة ، من مكان مرتفع قريب منهم .

وإلى هذا المعنى أشار - سبحانه - فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - : { قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } وقوله { فِتْنَةً } أى : اختبارا وامتحانا لهم ، فهو مفعول لأجله .

وقوله { فارتقبهم } من الارتقاب بمعنى الانتظار ، ومثله { واصطبر } فهو من الاصطبار ،

وأل فى قوله : { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } للعهد . أى : الماء المعهود لهم ، وهو ماء قريتهم الذى يستعملونه فى حوائجهم المتنوعة .

وقوله : { قِسْمَةٌ } بمعنى المقسوم ، وعبر عنه بالمصدر للمبالغة .

والضمير فى " بينهم " يعود عليهم وعلى الناقة ، وجىء بمضير العقلاء على سبيل التغليب .

وقوله : { مُّحْتَضَرٌ } اسم مفعول من الحضور الذى هو ضد الغيبة ، وحذف المتعلق لظهوره . أى : محتضر عنده صاحبه .

والشِّرْب : النصيب والمرة من الشُّرب .

أى : وقلنا لنبينا صالح على سبيل الإرشاد والتعليم ، بعد أن طلب منه قومه معجزة تدل على صدقه . قلنا له . أخبرهم أننا سنرسل الناقة ، وسنخرجها لهم أمام أعينهم ، لتكون دليلا على صدقك ، ولتكون امتحانا واختبارا لهم ، حتى يظهر لك وللناس أيؤمنون أم يصرون على كفرهم .

{ فارتقبهم } - أيها الرسول الكريم - ، وانتظر ماذا سيصنعون بعد ذلك { واصطبر } على أذاهم صبرا جميلا ، حتى يحكم الله بينك وبينهم .

{ وَنَبِّئْهُمْ } أى : وأخبرهم خبرا هاما ، هذا الخبر هو { أَنَّ المآء } الذى يستقون منه { قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وبين الناقة ، أى : مقسوم بينهم وبينها ، فهم لا يشاركونها فى يوم شربها ، وهى لا تشاركهم فى يوم شربهم .

{ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } أى : كل نصيب من الماء يحضره من هوله ، فالناقة تحضر إلى الماء فى يومها ، وهم يحضرون إليه فى يوم آخر .

ففى هاتين الآيتين تعليم حكيم من الله - تعالى - لنبيه صالح ، وإرشاد له إلى ما يجب أن يسكله معهم ، بيقظة واعية يدل عليها قوله - تعالى- : { فارتقبهم } وبصبر جميل لا يأس معه ولا ضجر ، كما يشير إليه قوله - تعالى - : { واصطبر } .

وسياق القصة ينبىء عن كلام محذوف ، يعلم من سياقها ، والتقدير : أرسلنا الناقة ، وقلنا له أخبرهم ، أن الماء مقسوم بينهم وبين الناقة واستمروا على ذلك فترة من الزمان ، ولكنهم ملوا هذه القسمة ، ولم يرتضوها ، وأجمعوا على قتل الناقة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ} (28)

ثم أمره بأن يخبر ثمود { أن الماء قسمة بينهم } : و { الماء } : هو ماء البئر التي كانت لهم ، واختلف المتأولون في معنى هذه القسمة ، فقال جمهور منهم { قسمة بينهم } : و { الماء } : هو ماء البئر التي كانت لهم ، واختلف المتأولون في معنى هذه القسمة ، فقال جمهور منهم { قسمة بينهم } : يتواسونه في اليوم الذي لا ترده الناقة وذلك فيما روي أن الناقة كانت ترد البئر غباً{[10784]} ، وتحتاج جميع مائه يومها ، فنهاهم الله عن أن يستأثر أهل اليوم الذي لا ترد الناقة فيه بيومهم ، وأمرهم بالتواسي مع الذين ترد الناقة في يومهم . وقال آخرون معناه : الماء بين جميعهم وبين الناقة قسمة . و : { محتضر } معناه : محضور مشهود متواسىً فيه{[10785]} ، وقال مجاهد المعنى : { كل شرب } أي من الماء يوماً ومن لبن الناقة يوماً { محتضر } لهم ، فكأنه أنبأهم الله عليهم في ذلك .


[10784]:أي ترد يوما ولا ترد يوما.
[10785]:بمعنى: التساوي فيه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ} (28)

وجملة { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } معطوفة على جملة { إنا مرسلوا الناقة } باعتبار أن الوعد بخلق آية الناقة يقتضي كلاماً محذوفاً ، تقديره : فأرسلنا لهم الناقة وقلنا نبئهم أن الماء قسمة بينهم على طريقة العطف والحذف في قوله : { فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق } [ الشعراء : 63 ] ، وإن كان حرف العطف مختلفاً ، ومثل هذا الحذف كثير في إيجاز القرآن .

والتعريف في { الماء } للعهد ، أي ماء القرية الذي يستقون منه ، فإن لكل محلة ينزلها قوم ماءً لسقياهم وقال تعالى : { ولما ورد ماء مدين } [ القصص : 23 ] .

وأخبر عن الماء بأنه { قسمة } . والمراد مقسوم فهو من الإِخبار بالمصدر للتأكيد والمبالغة .

وضمير { بينهم } عائد إلى معلوم من المقام بعد ذكر الماء إذ من المتعارف أن الماء يستقي منه أهل القرية لأنفسهم وماشيتهم ، ولما ذكرت الناقة عُلم أنها لا تستغني عن الشرب فغلّب ضمير العقلاء على ضمير الناقة الواحدة وإذ لم يكن للناقة مالك خاص أمر الله لها بنوبة في الماء . وقد جاء في آية سورة الشعراء ( 155 ) { قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } وهذا مبدأ الفتنة ، فقد روي أن الناقة كانت في يوم شربها تشرب ماء البئر كله فشحّوا بذلك وأضمروا حَلْدَها عن الماء فأبلغهم صالح إن الله ينهاهم عن أن يمسوها بسوء .

والمحْتضر بفتح الضاد اسم مفعول من الحضور وهو ضد الغيبة . والمعنى : محتضر عنده فحذف المتعلققِ لظهوره . وهذا من جملة ما أُمر رسولهم بأن ينبئهم به ، أي لا يحضُر القوم في يوم شِرب الناقة ، وهي بإلهاممِ الله لا تحضر في أيام شرب القوم . والشِّرب بكسر الشين : نوبة الاستقاء من الماء .