معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (56)

قوله تعالى : { إني توكلت } أي : اعتمدت { على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } قال الضحاك : محييها ومميتها . قال الفراء : مالكها والقادر عليها . قال القتيبي : يقهرها ، لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته . وقيل : إنما خص الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة ، فتقول : ناصية فلان بيد فلان ، وكانوا إذا أسروا إنسانا وأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته ليعتدوا بذلك فخرا عليه ، فخاطبهم الله بما يعرفون .

قوله تعالى : { إن ربي على صراط مستقيم } ، يعني : إن ربي وإن كان قادرا عليهم فإنه لا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والعدل ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه . وقيل : معناه إن دين ربي إلى صراط مستقيم . وقيل : فيه إضمار ، أي : إن ربي يحثكم ويحملكم على صراط مستقيم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (56)

ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان السبب الذى دعاه إلى البراءة من شركهم ، وإلى عدم المبالاة بهم فقال - كما حكى القرآن عنه - { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ . .

أى : إني فوضت أمرى إلى الله الذى هو ربى وربكم ، ومالك أمرى وأمركم ، والذى لا يقع فى هذا الكون شئ إلا بإرادته ومشيئته .

وفى قوله : { رَبِّي وَرَبِّكُمْ } مواجهة بالحقيقة التى ينكرونها ، لإِفهامهم أن إنكارهم لا قيمة له ، وأنه إنكار عن جحود وعناد . . فهو - سبحانه - ربهم سواء أقبلوا ذلك أم رفضوه . وقوله { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } تصوير بديع لشمول قدرته - سبحانه - والأخذ : هو التناول للشئ عن طريق الغلبة والقهر .

والناصبة : منبت الشعر فى مقدم الرأس ، ويطلق على الشعر النابت نفسه .

قال الإِمام الرازى : واعلم أن العرب إذا وصفوا إنسانا بالذلة والخضوع قالوا : ما ناصية فلان إلا بيد فلان . أى أنه مطيع له ، لأن كل من أخذت بناصيته فقد قهرته . وكانوا إذا أسروا أسير وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره فخوطبوا فى القرآن بما يعرفون .

.

والمعنى : إنى اعتمدت على الله ربى وربكم : ما من دابة تدب على وجه الأرض إلا والله - تعالى - مالكها وقاهر لها ، وقادر عليها ، ومتصرف فيها كما يتصرف المالك فى ملكه .

وفى هذا التعبير الحكيم صورة حسية بديعة تناسب المقام ، كما تناسب غلظة قوم هود وشدتهم . وصلابة أجسامم وبنيتهم ، وجفاف حسهم ومشاعرهم . . فكأنه - عليه السلام - يقول لهم : إنكم مهما بلغتم من القوة والبطش ، فما أنتم إلا دواب من تلك الدواب التى يأخذ ربى بناصيتها ، ويقهرها بقوته قهراً يهلكها - إذا شاء ذلك - فكيف أخشى دوابا مثلكم مع توكلى على الله ربى وربكم ؟ !

ثم يتبع هذا الوصف الدال على شمول قدرة الله - تعالى - بوصف آخر يدل على عدالته وتنزه عن الظلم فيقول : { إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } .

أى : إن ربى قد اقتضت سنته أن يسلك فى أحكامه طريق الحق والعدل وما دام الأمر كذلك فلن يسلطكم على لأنه - حاشاه - أن يسلط من كان متمسكا بالباطل ، على من كان متمسكا بالحق .

واكتفى هنا باإضافة الرب إلى نفسه ، للإشارة إلى أن لطفه - سبحانه - يشمل هودا وحده ولا يشملهم ، لأنهم أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (56)

{ إني توكلت على الله ربي وربكم } تقريرا له والمعنى أنكم وإن بذلتم غاية وسعكم لن تضروني فإني متوكل على الله واثق بكلاءته وهو مالكي ومالككم لا يحيق بي ما لم يرده ، ولا يقدرون على ما لم يقدره ثم برهن عليه بقوله : { ما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها } أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والأخذ بالنواصي تمثيل لذلك . { إن ربي على صراط مستقيم } أي أنه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم .