اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (56)

وهذه معجزةٌ قاهرةٌ ؛ لأنَّ الرَّجُل الواحدَ إذا أقبل على القوم العظام ، وقال لهم : بالغُوا في عداوتي ، وفي إيذائي ، ولا تؤجلون فإنَّه لا يقُولُ هذا إلاَّ إذا كان واثقاً من الله بأنَّهُ يحفظه ، ويصونه عن كيد الأعداءِ ، وهذا هو المراد بقوله : { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ } أي : اعتمادي على الله ربِّي وربِّكُم .

{ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } قال الأزهريُّ : " النَّاصيةُ عند العربِ : مَنْبِتُ الشَّعر في مقدم الرأس ، ويسمَّى الشعر النَّابتُ هناك أيضاً ناصية باسم منبته " .

ونصَوْتُ الرَّجلَ : أخذتُ بناصيته ، فلامُها واو ، ويقال : ناصَاة بقلبِ يائها ألفاً ، وفي الأخْذِ بالنَّاصية عبارةٌ عن الغلبة والتَّسلُّط وإن لم يكن آخذاً بناصيته ، ولذلك كانُوا إذا منُّوا على أسيرٍ جزُّوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره ، والعربُ إذا وصفُوا إنساناً بالذلة ، والخضوع قالوا : ما ناصية فلان إلاَّ بيد فلان ، أي : إنَّه مطيعٌ له .

ومعنى " آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ " قال الضحاكُ : " مُحْيِيهَا ومُمِيتها " {[18840]} . وقال الفرَّاء : " مالكها والقادر عليها " وقال القتيبيُّ : " بقهرها " .

{ إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يعني : وإن كان ربِّي قادراً عليهم فإنه لا يظلمهم ، ولا يعملُ إلا بالإحسان والعدل ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .

وقيل : معناه دين ربِّي صراط مستقيم . وقيل : فيه إضمار ، أي : إن ربي يحثكم ويحملكم على صراط مستقيم .


[18840]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/388-389).