محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (56)

وقد التجأ إلى ركن منيع رفيع ، حيث قال : { إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم }

{ إني توكلت على الله ربي وربكم } أي فلا تصلون إلي بسوء ، لتوكلي على الله { ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } أي مالك لها ، قادر عليها ، يصرفها كيف شاء .

قال القاشاني : بيّن وجوب التوكل على الله ، وكونه حصنا حصينا ، أولا بأن ربوبيته شاملة لكل واحد ، ومن يرب يدبر أمر المربوب ويحفظه ، فلا حاجة له إلى كلاءة غيره وحفظه . ثم بأن كل ذي نفس تحت قهره وسلطانه ، أسير في يد تصرفه ومملكته وقدرته ، عاجز عن الفعل والقوة والتأثير في غيره ، لا حراك به بنفسه ، كالميت فلا حاجة إلى الاحتراز منه انتهى .

والناصية : منبت الشعر من مقدم الرأس ، وتطلق على الشعر النابت فيها أيضا ، تسمية للحال باسم المحل . يقال : نصوت الرجل : أخذت بناصيته .

وفي ( العناية ) وقولهم : ناصيته بيده ، أي منقاد له . والأخذ بالناصية عبارة عن القدرة والتسلط ، مجازا أو كناية .

وقوله تعالى : { إن ربي على صراط مستقيم } تعليل لما يدل عليه التوكل ، من عدم قدرتهم على إضراره . أي هو على طريق الحق والعدل في ملكه ، فلا يسلطكم علي ، إذ لا يضيع عنده معتصم به ، ولا يفوته ظالم .

قال في ( العناية ) : هو تمثيل واستعارة ، لأنه مطلع على أمور العباد ، مجاز لهم بالثواب والعقاب ، كاف لمن اعتصم ، كمن وقف على الجادة فحفظها ، ودفع ضرر السابلة بها . / وهو كقوله{[4861]} : { إن ربك لبالمرصاد } والاقتصار على إضافة الرب إلى نفسه ، إما بطريق الاكتفاء ، لظهور المراد ، وإما للإشارة إلى أن اللطف والإعانة مخصوصة به ، دونهم .


[4861]:[89 / الفجر /14].