معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا} (66)

قوله تعالى : { قال له موسى هل أتبعك } وأصحبك { على أن تعلمن مما علمت رشداً } ، قرأ أبو عمرو ويعقوب : ( رشداً ) بفتح الراء والشين ، وقرأ الآخرون : بضم الراء وسكون الشين ، أي صواباً . وقيل : علماً ترشدني به . وفي بعض الأخبار أنه لما قال له موسى هذا قال له الخضر : كفى بالتوراة علماً وببني إسرائيل شغلاً ، فقال له موسى : إن الله أمرني بهذا فحينئذ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا} (66)

أى : قال موسى للخضر - عليهما السلام - بعد أن التقيا { هل أتبعك } أى : هل تأذن لى فى مصاحبتك واتباعك . بشرط أن تعلمنى من العلم الذى علمك الله إياه : شيئا أسترشد به فى حياتى ، وأصيب به الخير فى دينى .

فأنت ترى أن موسى - عليه السلام - قد راعى فى مخاطبته للخضر أسمى ألوان الأدب اللائق بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - حيث خاطبه بصيغة الاستفهام الدالة على التلطف ، وحيث أنزل نفسه منه منزلة المتعلم من المعلم ، وحيث استأذنه فى أن يكون تابعا له ، ليتعلم منه الرشد والخير .

قال بعض العلماء : فى هذه الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم ، وإن تفاوتت المراتب ، ولا يظن أن فى تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل من موسى ، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل ، وقد يأخذ الفاضل عن المفضول ، إذا اختص الله - تعالى - أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر ، فقد كان علم موسى يتعلق بالأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها ، وكان علم الخضر يتعلق ببعض الغيب ومعرفة البواطن . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا} (66)

يخبر تعالى عن قيل موسى ، عليه السلام لذلك [ الرجل ]{[18319]} العالم ، وهو الخضر ، الذي خصه الله بعلم لم يطلع عليه موسى ، كما أنه أعطى موسى من العلم ما لم يعطه الخضر ، { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ } سؤال بتلطف{[18320]} ، لا على وجه الإلزام والإجبار . وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم . وقوله : { أَتَّبِعُكَ } أي : أصحبك وأرافقك ، { عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } أي : مما علمك الله شيئًا ، أسترشد به في أمري ، من علم نافع وعمل صالح .


[18319]:زيادة من أ.
[18320]:في ت، ف، أ: "تلطف".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا} (66)

جملة { قال له موسى } ابتداء محاورة ، فهو استئناف ابتدائي ، ولذلك لم يقع التعبير ب ( قال ) مجردة عن العاطف .

والاستفهام في قوله : { هل أتبعك } مستعمل في العَرْض بقرينة أنه استفهام عن عمل نَفس المستفهم . والاتباع : مجاز في المصاحبة كقوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن } [ النّجم : 28 ] .

و ( على ) مستعملة في معنى الاشتراط لأنه استعلاء مجازي .

جعل الاتباع كأنه مستعمل فوق التعليم لشدة المقارنة بينهما . فصيغة : أَفْعَلُ كذا على كذا ، من صيغ الالتزام والتعاقد .

ويؤخذ من الآية جواز التعاقد على تعليم القرآن والعلم ، كما في حديث تزويج المرأة التي عرضت نفسها على النبي فلم يقبلها ، فزوجها مَن رغب فيها على أن يعلمها ما معه من القرآن .

وفيه أنه التزام يجب الوفاء به . وقد تفرع عن حكم لزوم الالتزام أن العرف فيه يقوم مقام الاشتراط فيجب على المنتصب للتعليم أن يعامل المتعلمين بما جرى عليه عرف أقاليمهم .

وذكر عياض في باب صفة مجلس مالك للعلم من كتاب المدارك : أن رجلاً خراسانياً جاء من خراسان إلى المدينة للسماع من مالك فوجد الناس يعرِضون عليه وهو يسمع ولا يسمعون قراءة منه عليهم ، فسأله أن يَقرأ عليهم فأبى مالك ، فاستعدى الخراساني قاضيَ المدينة . وقال : جئت من خراسان ونحن لا نرى العرض وأبى مالك أن يقرأ علينا . فحكم القاضي على مالك : أن يقرأ له ، فقيل لمالك : أأصاب القاضي الحق ؟ قال : نعم .

وفيه أيضاً إشارة إلى أن حق المعلم على المتعلم اتباعه والاقتداء به .

وانتصب { رشداً } على المفعولية ل { تعلمن } أي ما به الرشد ، أي الخير .

وهذا العلم الذي سأل موسى تعلمه هو من العلم النافع الذي لا يتعلق بالتشريع للأمة الإسرائيلية ، فإن موسى مستغن في علم التشريع عن الازدياد إلا من وحي الله إليه مباشرة ، لأنه لذلك أرسله وما عدا ذلك لا تقتضي الرسالة علمه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الذين وجدهم يؤبّرون النخل « أنتم أعلم بأمور دنياكم » . ورجع يوم بدر إلى قول المنذر بن الحارث في أن المنزل الذي نزله جيشُ المسلمين ببدر أولَ مرة ليس الأليقَ بالحرب .

وإنما رام موسى أن يَعلم شيئاً من العِلم الذي خص الله به الخضر لأن الازدياد من العلوم النافعة هو من الخير . وقد قال الله تعالى تعليماً لنبيه { وقل رب زدني علماً } [ طه : 114 ] . وهذا العلم الذي أوتيه الخضر هو علم سياسة خاصة غيرِ عامة تتعلق بمعينين لِجلب مصلحة أو دفع مفسدة بحسب ما تهيئه الحوادث والأكوان لا بحسب ما يناسب المصلحة العامة . فلعل الله يسره لنفع معينين من عنده كما جعل محمداً رحمة عامة لكافة الناس ، ومن هنا فارق سياسةَ التشريع العامة . ونظيره معرفة النبي أحوال بعض المشركين والمنافقين ، وتحققه أن أولئك المشركين لا يؤمنون وهو مع ذلك يدعوهم دوماً إلى الإيمان ، وتحققه أن أولئك المنافقين غيرُ مؤمنين وهو يعاملهم معاملة المؤمنين ، وكان حذيفة بن اليمان يعرفهم بأعيانهم بإخبار النبي إياه بهم .

وقرأ الجمهور { رشداً } بضم الراء وسكون الشين . وقرأه أبو عمرو ، ويعقوب بفتح الراء وفتح الشين مثل اللفظين السابقين ، وهما لغتان كما تقدم .