غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا} (66)

60

قال العلماء : إن موسى راعى مع الخضر في قوله : { هل أتبعك } أنواعاً من الأدب منها : أنه جعل نفسه تبعاً له مطلقاً ، وفيه أن المتعلم يجب عليه الخدمة وتسليم النفس والإتيان بمثل أفعال الأستاذ وأقواله على جهة التبعية لا الاستقلال ، فإن المتابعة هي الإتيان بمثل فعل الغير لأجل كونه فعلاً لذلك الغير ، ولهذا لسنا متبعين لليهود في قولنا " لا إله إلا الله " لأنا نقول كلمة التوحيد لأجل أنهم قالوها بل لقيام الدليل على قولها ، ولكنا متابعون في الصلوات الخمس للنبي صلى الله عليه وسلم لأنا نأتي بها لأجل أنه أتى بها . ومنها أنه استأذن في إثبات هذه التبعية . ومنها أنه قال : { على أن تعلمني مما علمت } وفيه إقرار على أستاذه بالعلم ، وفيه أنه لم يطلب منه إلا بعض علمه ولم يطلب . منه أن يجعله مساوياً له في العلم كما يطلب الفقير من الغني أن يدفع إليه جزءاً من أجزاء ماله لأكله ، وفيه اعتراف بأن ذلك العلم علمه الله تعالى وإلا سمي فاعله ، وفيه إشعار بأن إنعامه عليه في هذا التعليم شبيه بإنعام الله عليه فيه ومن هنا قيل : أن عبد من علمني حرفاً . ومنها أن الخضر عرف أنه نبي صاحب المعجزات المشهورة ، ثم إنه مع هذه المناصب العلية والمراتب السنية لم يطلب منه المال والجاه وإنما طلب التعليم فقال : { على أن تعلمني } فدل ذلك على أنه لا كمال فوق كمال العلم ، وأنه لا يحسن صرف الهمة إلا إلى تحصيله . وفيه أن كل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر ، فكان حرصه على زيادتها أوفر . ومنها أنه قال { رشداً } وهو يصلح أن يكون مفعولاً ل { تعلمني } و { علمت } أي علماً ذا رشد أرشد به في ديني ، وفيه تعظيم لما سيعلمه فإن الإرشاد هو الأمر الذي لو لم يحصل حصل الضلال .

/خ82