نفى صلى الله عليه وسلم عن نفسه أن يكون عنده علم بشئ من أخبار الملأ الأعلى ، إلا عن طريق الوحى فقال - كما حكى القرآن عنه : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } والمراد بالملأ الأعلى : علام السموات وما فيه من ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون .
قال القرطبى : الملأ الأعلى هم الملائكة فى قول ابن عباس والسدى . اختصموا فى أمر آدم حين خلق ، فقالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء . . . } وقال إبليس : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } وفى هذا بيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهى . .
وقال ابن كثير : وقوله : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أى : لولا الوحى من أين كنت أدرى باختلاف الملأ الأعلى .
يعنى فى شأن آدم ، وامتناع إبليس من السجود له ، ومحاجته ربه فى تفضيله عليه . . ؟ فالآية تنفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم علم شئ من أخبار الملأ الأعلى إلأ عن طريق الوحى .
وقوله : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي : لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى ؟ يعني : في شأن آدم وامتناع إبليس من السجود له ، ومحاجته ربه في تفضيله عليه .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا جهضم اليمامي عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن أبي سلام عن أبي سلام عن عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر عن معاذ رضي الله عنه ، قال : احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا فَثَوّب بالصلاة فصلى وتَجَوّز في صلاته فلما سلم قال : " كما أنتم على مصافكم " . ثم أقبل إلينا فقال : " إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة ، إني قمت من الليل فصليت ما قُدّر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي في أحسن صورة فقال : يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟
قلت لا أدري رب - أعادها ثلاثا - فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت فقال : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات . قال : وما الكفارات ؟ قلت نقل الأقدام إلى الجمعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء عند الكريهات . قال : وما الدرجات ؟ قلت : إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام . قال : سل . قلت اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت فتنة بقوم فتوفني غير مفتون ، وأسألك حبك وحب من يحبك ، وحب عمل يقربني إلى حبك " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها حق فادرسوها وتعلموها " فهو حديث المنام المشهور ومن جعله يقظة فقد غلط وهو في السنن من طرق .
وهذا الحديث بعينه قد رواه الترمذي من حديث " جهضم بن عبد الله اليمامي " به . وقال : " حسن صحيح " وليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن فإن هذا قد فسر .
قال : { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون } وهذا احتجاج لصحة أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يقول : هذا أمر خطر وأنتم تعرضون عنه مع صحته ، ودليل صحته أني أخبركم فيه بغيوب لم تأت إلا من عند الله ، فإني لم يكن لي علم بالملأ الأعلى ، أراد به الملائكة . والضمير في : { يختصمون } عند جمهور المفسرين هو للملائكة .
واختلف الناس في الشيء الذي هو اختصامهم فيه ، فقالت : فرقة اختصامهم في أمر آدم وذريته في جعلهم في الأرض ، ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات ، فقول الملائكة : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } [ البقرة : 30 ] هو الاختصام ، وقالت فرقة : بل اختصامهم في الكفارات وغفر الذنوب ونحوه ، فإن العبد إذا فعل حسنة اختلف الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي الله بما شاء ، وورد في هذا حديث فسره ابن فورك ، لأنه يتضمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه عز وجل في نومه : فيم يختصمون ؟ فقلت لا أدري ، فقال في الكفارات ، وهي إسباغ الوضوء في السبرات ونقل الخطى إلى الجماعات الحديث بطوله قال : ( فوضع الله يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي ) .
قال القاضي أبو محمد : فتفسير هذا الحديث أن اليد هي نعمة العلم .
وقوله : بردها ، أي السرور بها والثلج ، كما تقول العرب في الأمر السار : يا برده على الكبد ونحو هذا ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الصلاة بالليل هي الغنيمة الباردة » أي السهلة التي يسر بها الإنسان . وقالت فرقة : المراد بقوله : { بالملإ الأعلى } الملائكة .
وقوله : { إذ يختصمون } مقطوع منه معناه : إذ تختصم العرب الكافر في الملإ فيقول بعضها هي بنات الله ، ويقول بعضها : هي آلهة تعبد ، وغير ذلك من أقوالهم ، وقالت فرقة : أراد ب «الملأ الأعلى » قريشاً . وهذا قول ضعيف لا يتقوى من جهة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.