الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

ثم قال : { ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ تختصمون } أي : قل يا محمد للمشركين الذين ينكرون ما جئتهم به ويكذبونك : ما كان لي من علم بالملائكة إذ اختصموا في آدم{[58555]} إذ شوروا في خلق آدم{[58556]} فاختصموا فيه ، وقالوا : { أتجعل فيها من يفسد فيها } الآيات{[58557]} ، قاله ابن عباس وغيره{[58558]} .

أي : لولا ( ما أوحاه{[58559]} ) إلى ربي وأعلمني به . فإعلامي ذلك لكم دليل على صدقي ونبوتي بأن هذا القرآن من عند الله عز وجل . وهذا كله معنى قول قتادة والسدي وغيرهما{[58560]} .

وفي الحديث : " يختصمون في الكفارات وفي إسباغ الوضوء في المكاره وانظار الصلاة بعد الصلاة " {[58561]} .

قال الحسن : لما صُعِد بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء ليلة الإسراء به مر في سماء منهن ، فإذا هو بأصوات الملائكة يختصمون ، ( قال لجبريل : " يا جبريل ، ما هذه الأصوات " ؟ قال : أصوات الملائكة يختصمون ){[58562]} في كفارات بني آدم . فقال النبي عليه السلام : " وما يقولون فيها " ؟ قال : يقولون : هي نقل الأقدام إلى الجماعات ( والصلوات ، وإسباغ ){[58563]} الوضوء عند المكروهات ، والتعقيب في المساجد بعد الصلوات . قال : ثم أوحى الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم : " ما كان لي من علم بالملأ الأعلى " الآيتين .

وعن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي{[58564]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي ربي : فيم يختصم الملأ الأعلى/ يا محمد ؟ ( فقلت : أنت أعلم يا رب ، فقالها ثانية ، فقلت : أنت أعلم يا رب . فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي{[58565]} ، فعلمت ما في السماء والأرض . فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قلت : في الكفارات ، فقال : وما الكفارات ؟ فقلت : المشي ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكروهات ، والجلوس في المساجد خلف الصلوات قال : من فعل ذلك يعيش بخير ويموت بخير ، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه " {[58566]} .

وأجاز النحاس{[58567]} أن يكون المعنيَّ بالاختصام قريشا لأن منهم من قال : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى . فالمعنى على هذا : ما كان لي من علم بالملائكة إذ يختصم فيهم قريش . وأجاز أن يراد بالملأ الأعلى أشراف قريش يختصمون فيما بينهم فيخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ( بما شاء من ذلك فيعلمهم النبي بذلك ){[58568]} .


[58555]:آدم صلى الله عليه وسلم
[58556]:آدم صلى الله عليه وسلم.
[58557]:البقرة: 29-32.
[58558]:جاء هذا القول في جامع البيان 23/118 عن ابن عباس والسدي وقتادة.
[58559]:(ح): وحيا أوحاه.
[58560]:جاء هذا القول في الدر المنثور 7/202 عن قتادة وابن عباس.
[58561]:أخرجه الترمذي في تفسير سورة ص ح 3286 و3287 عن ابن عباس بمعناه. وأخرجه أحمد 1/368 و5/243 و378 كلها عن ابن عباس بمعناه. وأخرجه أيضا في 4/66 والدارمي 2/126 عن عبد الرحمن بن عائش بمعناه. وانظره أيضا في تفسير الثوري 261، وتفسير ابن كثير 4/44، والدر المنثور 7/202 وفيه: أخرجه عبد بن حميد عن الحسن.
[58562]:في طرة (ع).
[58563]:(ح): الصلاة وإصباغ.
[58564]:هو عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أو السكسكي. اختلف في صحبته، فقال ابن حبان: له صحبة، وأنكر ذلك أبو حاتم الرازي، انظر: الاستيعاب 2/838 ت 1430، والإصابة 2/405 ت 5148.
[58565]:(ح): يدي.
[58566]:مر تخريجه في الحديث الأخير.
[58567]:هو أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري، أبو جعفر النحاس، أديب ومفسر. له مؤلفات فيها: تفسير القرآن، وإعراب القرآن. توفي بمصر سنة 338 هـ. انظر: إنباة الرواة 1/101 ت 50، ووفيات الأعيان 1/99 ت 40.
[58568]:ساقط من (ح).