الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

أُمِرَ عليه السلام أن يقولَ محتجًّا على صِحَّةِ رسالتِه : « { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى } لولا أنْ اللَّه أخْبَرَنِي بذلك ، والملأ الأعلى أَرَادَ بِهِ : الملائكةَ ، واخْتُلِفَ في الشَّيْءِ الذي هُوَ اخْتِصَامُهُمْ فِيه ؛ فقالت فرقةٌ : اختصامهم في شأن آدَمَ : كقولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] وَيَدُلُّ على ذلك ما يأتي من الآياتِ ، وقالت فرقة : بل اختصَامُهم في الكفَّارَاتِ وَغَفْرِ الذُّنُوبِ ، ونحوه فإن العَبْدَ إذا فعل حسنَةً ، اختلفت الملائكةُ في قَدْرِ ثوابِهِ في ذلك ، حتى يَقْضِيَ اللَّهُ بما شاء ، وروي في هذا حديثٌ فَسَّرَهُ ابنُ فُورَكَ يتضمَّنُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ( قالَ له ربُّهُ عزَّ وجلَّ في نومه : أتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأعلى ؟ قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : اختصموا في الْكَفَّارَاتِ والدَّرَجَاتِ ، فَأَمَّا الكَفَّارَاتُ : فَإسْبَاغُ الوُضُوءِ في الغَدَوَاتِ البارِدَةِ ، ونَقْلُ الأَقْدَامِ إلَى الجَمَاعَاتِ ، وانتظار الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، وأَمَّا الدَّرَجَاتُ : فَإفْشَاءُ السَّلامِ ، وَإطْعَامُ الطَّعَامِ ، وَالصَّلاَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ) الحديثَ .

قال ابن العربيِّ في «أحكامِه » : وقَدْ رَوَاهُ الترمذيُّ صحيحاً ، وفيه «قال : سَلْ ؛ قَالَ : اللَّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ ، وأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ، وَإذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً في قَوْمٍ ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ، وأَسْأَلُكَ حُبَّكَ ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَعَمَلاً يُقَرِّبُ إلَيَّ حُبِّكَ » قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّهَا حَقٌّ فارسموها ، ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا " انتهى .