معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ} (35)

قوله تعالى : { لهم ما يشاؤون فيها } وذلك أنهم يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما شاؤوا ، ثم يزيد الله من عنده ما لم يسألوه ، وهو قوله : { ولدينا مزيد } يعني : الزيادة لهم في النعيم مما لم يخطر ببالهم . وقال جابر وأنس : هو النظر إلى وجه الله الكريم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ} (35)

{ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } اى : لهؤلاء المتقين ما يشاءون ويشتهون . . فى الجنة .

{ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } أى : وعدنا - فضلا عن كل هذا النعيم الذى يرفلون فيه - المزيد منه ، مما لم يخطر لهم على بال ، ولم تره أعينهم قبل ذلك .

قال ابن كثير : وقوله : { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } كقوله - تعالى - : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ } وقد تقدم فى صحيح مسلم عن صهيب بن سنان ، أنها النظر إلى وجه الله الكريم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ} (35)

وقوله : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا } أي : مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملاذ طلبوا أحضر لهم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا بَقِيَّة ، عن بَحِير {[27348]} بن سعد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن كثير بن مُرَّة قال : من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول : ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فلا يدعون بشيء إلا أمطرتهم . قال كثير : لئن أشهدني الله ذلك لأقولن : أمطرينا جواري مزينات .

وفي الحديث عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " إنك لتشتهي الطير في الجنة ، فيخر بين يديك مشويا " {[27349]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي عن عامر الأحول ، عن أبي الصديق{[27350]} ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة ، كان حمله ووضعه وسِنّه في ساعة واحدة " .

ورواه الترمذي وابن ماجه ، عن بُنْدار ، عن معاذ بن هشام ، به {[27351]} وقال الترمذي : حسن غريب ، وزاد " كما يشتهي " .

وقوله : { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } كقوله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . وقد تقدم في صحيح مسلم عن صُهَيب بن سنان الرومي : أنها النظر إلى وجه الله الكريم . وقد روى البزار وابن أبي حاتم ، من حديث شريك القاضي ، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ، عن أنس بن مالك في قوله عز وجل : { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } قال : يظهر لهم الرب ، عز وجل ، في كل جمعة{[27352]} .

وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي مرفوعًا فقال في مسنده : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير{[27353]} أنه سمع أنس بن مالك يقول : أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله ، فقال النبي{[27354]} صلى الله عليه وسلم : " ما هذه ؟ " فقال : هذه الجمعة ، فُضّلتَ بها أنت وأمتك ، فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ، ولكم فيها خير ، ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن{[27355]} يدعو الله بخير إلا استجيب له ، وهو عندنا يوم المزيد . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، وما يوم المزيد ؟ " قال : إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك ، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء{[27356]} من ملائكته ، وحوله منابر من نور ، عليها مقاعد النبيين ، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب ، مكللة بالياقوت والزبرجد ، عليها الشهداء والصديقون {[27357]} فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ، فيقول الله عز وجل : أنا ربكم ، قد صدقتكم وعدي ، فسلوني أعطكم . فيقولون : ربنا ، نسألك رضوانك ، فيقول : قد رضيت عنكم ، ولكم علي ما تمنيتم ، ولدي مزيد . فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة " .

[ و ] {[27358]} هكذا أورده الإمام الشافعي في كتاب " الجمعة " من الأم{[27359]} ، وله طرق عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه . وقد أورد ابن جرير هذا من رواية عثمان بن عمير ، عن أنس بأبسط من هذا{[27360]} وذكر هاهنا أثرًا مطولا عن أنس بن مالك موقوفًا وفيه غرائب كثيرة{[27361]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا دَراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل في الجنة ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبه {[27362]} فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب . فتسلم عليه ، فيرد السلام ، فيسألها : من أنت ؟ فتقول : أنا من المزيد . وإنه ليكون عليها سبعون حلة ، أدناها مثل النعمان ، من طوبى ، فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك ، وإن عليها من التيجان ، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " {[27363]} .

وهكذا رواه عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، به{[27364]} .


[27348]:- (10) في م: "يحيى".
[27349]:- (1) رواه الحسن بن عرفة في جزئه برقم (22) والبزار في مسنده برقم (3532) "كشف الأستار" وابن عدي في الكامل (6/689) من طريق خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود مرفوعا به. وفيه حميد الأعرج، قال البخاري: منكر الحديث وقال ابن حبان: أحاديثه شبه الموضوعة.
[27350]:- (2) في م: "عن أبي بكر الصديق".
[27351]:- (3) المسند (3/9) وسنن الترمذي برقم (2563) وسنن ابن ماجة برقم (4338).
[27352]:- (4) في أ: "جهة".
[27353]:- (5) في م: "عن عبيد الله بن عمير" وفي الأصل: "عبد الله عمير" والتصويب من الأم للشافعي.
[27354]:- (6) في م: "رسول الله".
[27355]:- (7) في أ: "لا يوافقها عبد مؤمن".
[27356]:- (8) في م: "ناسا".
[27357]:- (9) في أ: "الصالحون".
[27358]:- (1) زيادة من م.
[27359]:- (2) الأم (1/185).
[27360]:- (3) تفسير الطبري (26/109).
[27361]:- (4) تفسير الطبري (26/109).
[27362]:- (5) في أ: "منكبيه".
[27363]:- (6) المسند (3/75) وفيه: دراج عن أبي الهيثم، ضعيف.
[27364]:- (7) رواه الطبري في تفسيره (26/110) والكلام عليه كسابقه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ} (35)

{ لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد } وهو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ} (35)

إن جملة { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } يجوز أن تكون من بقية ما يقال للمتقين ابتداء من قوله : { هذا ما توعدون لكل أوّاب حفيظ } فيكون ضمير الغيبة التفاتاً وأصله : لكم ما تشاؤون . ويجوز أن تكون مما خوطب به الفريقان في الدنيا وعلى الاحتمالين فهي مستأنفة استئنافاً بيانياً .

و { لدينا مزيد } ، أي زيادة على ما يشاؤون مما لم يخطرُ ببالهم ، وذلك زيادة في كرامتهم عند الله ووردت آثار متفاوتة القوة أن من المزيد مفاجأتهم بخيرات ، وفيها دلالة على أن المفاجأة بالإنعام ضرب من التلطف والإكرام ، وأيضاً فإن الأنعام يجيئهم في صور معجبة .

والقول في { مزيد } هنا كالقول في نظيره السابق آنفاً .

وجاء ترتيب الآيات في منتهى الدقة فبدأت بذكر إكرامهم بقوله : { وأزلفت الجنة للمتقين } ، ثم بذكر أن الجنة جزاؤهم الذي وعدوا به فهي حق لهم ، ثم أوْمَأت إلى أن ذلك لأجل أعمالهم بقوله : { لكل أوّاب حفيظ مَن خشي الرحمان } الخ ، ثم ذكرت المبالغة في إكرامهم بعد ذلك كله بقوله : { ادخلوها بسلام } ، ثم طمْأنهم بأن ذلك نعيم خالد ، وزِيد في إكرامهم بأن لهم ما يشاؤون ما لم يروه حين الدخول ، وبأن الله عدهم بالمزيد من لدنه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ} (35)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لهم ما يشاءون} من الخير {فيها} وذلك أن أهل الجنة يزورون ربهم على مقدار كل يوم جمعة في رمال المسك، فيقول: سلوني، فيسألونه الرضا؟ فيقول: رضاي أحلكم داري، وأنا لكم كرامتي، ثم يقرب إليهم ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ثم يقول: سلوني ما شئتم، فيسألون حتى تنتهي مسألتهم فيعطون على ما سألوا وفوق ذلك. فذلك قوله: {لهم ما يشاءون فيها}، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوا، ولم يتمنوا، ولم يخطر على قلب بشر من جنة عدن، فذلك قوله: {ولدينا مزيد} يعني وعندنا مزيد...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لَهُمْ ما يَشاءُونَ فِيها "يقول: لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أُزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذّه عيونهم.

وقوله: "وَلَدَيْنا مَزِيدٌ" يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جلّ ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه، وقيل: إن ذلك المزيد: النظر إلى الله جلّ ثناؤه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لهم ما يشاءون فيها} أي لهم ما يختارون فيها، لا يُجبرون، ولا يُكرهون فيها على شيء، إذ المشيئة، هي صفة كل فاعل مختار، وإن كانت المشيئة مشيئة التّمني والتّشهي، فكأنه قال: لهم ما يتمنّون، ويتخيّرون،.. والثاني: {ولدينا مزيد} من نعيمها ما لا يبلُغ تمنّيهم وشهواتهم كقوله عليه السلام في صفة نعيم الجنة: (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) [البخاري 3244] لأن الأماني والشهوات إنما تكون لما سبق لجنسه من الذي تقع عليه الرؤية والنظر أو الخير، فأما ما لا معرفة له فلا يُتمنّى، ولا يُشتهى، والله أعلم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لم يقل: "لهم ما يسألون " بل قال: {لَهُمُ مَّا يَشَاءونَ}: فكلُّ ما يخطر ببالهم فإنَّ سؤلَهم يتحقق لهم في الوَهْلة، وإذا كانوا اليوم يقولون: ما يشاء الله فإنَّ لهم غداً منه الإحسان... وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}: اتفق أهل التفسير على أنه الرؤية، والنظر إلى الله سبحانه وقومٌ يقولون: المزيد على الثواب في الجنة -ولا منافاة بينهما...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}.

وفي الآية ترتيب في غاية الحسن، وذلك لأنه تعالى بدأ ببيان إكرامهم حيث قال: {وأزلفت الجنة للمتقين} ولم يقل: قرب المتقون من الجنة بيانا للإكرام حيث جعلهم ممن تنقل إليهم الجنان بما فيها من الحسان، ثم قال لهم هذا لكم، بقوله: {هذا ما توعدون} ثم بين أنه أجر أعمالهم الصالحة بقوله: {لكل أواب حفيظ} وقوله {من خشي الرحمن} فإن تصرف المالك الذي ملك شيئا بعوض أتم فيه من تصرف من ملك بغير عوض، لإمكان الرجوع في التمليك بغير عوض، ثم زاد في الإكرام بقوله: {ادخلوها} كما بينا أن ذلك إكرام، لأن من فتح بابه للناس، ولم يقف ببابه من يرحب الداخلين، لا يكون قد أتى بالإكرام التام، ثم قال: {ذلك يوم الخلود} أي لا تخافوا ما لحقكم من قبل حيث أخرج أبويكم منها، فهذا دخول لا خروج بعده منها.

ثم لما بين أنهم {فيها خالدون} قال: لا تخافوا انقطاع أرزاقكم وبقاءكم في حاجة، كما كنتم في الدنيا من كان يعمر ينكس ويحتاج، بل لكم الخلود، ولا ينفد ما تمتعون به فلكم ما تشاءون في أي وقت تشاءون، وإلى الله المنتهى، وعند الوصول إليه، والمثول بين يديه، فلا يوصف ما لديه، ولا يطلع أحد عليه، وعظمة من عنده تدلك على فضيلة ما عنده، هذا هو الترتيب، وأما التفسير، ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: قال تعالى: {ادخلوها بسلام} على سبيل المخاطبة.

ثم قال: {لهم} ولم يقل لكم ما الحكمة فيه؟ الجواب عنه من وجوه:

(الأول) هو أن قوله تعالى: {ادخلوها} مقدر فيه يقال لهم، أي يقال لهم {ادخلوها} فلا يكون على هذا التفاتا.

(الثاني) هو أنه من باب الالتفات والحكمة الجمع بين الطرفين، كأنه تعالى يقول: أكرمهم به في حضورهم، ففي حضورهم الحبور، وفي غيبتهم الحور والقصور.

(والثالث) هو أن يقال قوله تعالى: {لهم} جاز أن يكون كلاما مع الملائكة، يقول للملائكة: توكلوا بخدمتهم، واعلموا أن لهم ما يشاءون فيها، فأحضروا بين أيديهم ما يشاءون، وأما أنا فعندي ما لا يخطر ببالهم، ولا تقدرون أنتم عليه.

المسألة الثانية: قد ذكرنا أن لفظ {مزيد} يحتمل أن يكون معناه الزيادة، فيكون كما في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول، أي عندنا ما نزيده على ما يرجون وما يكون مما يشتهون.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(لهم ما يشاؤون فيها، ولدينا مزيد).. فمهما اقترحوا فهم لا يبلغون ما أعد لهم. فالمزيد من ربهم غير محدود..