ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذاهم . وبمقابلة سيئاتهم بالخصال الحسنة ، فقال : { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } .
أى : قابل - أيها الرسول الكريم - سيئات هؤلاء المشركين الجاهلين ، بالأخلاق والسجايا التى هى أحسن من غيرها ، كأن تعرض عنهم ، وتصبر على سوء أخلاقهم ، فأنت صاحب الخلق العظيم ، ونحن أعلم منك بما يصفوننا به من صفات باطلة . وما يصفوك به من صفات ذميمة ، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون ، فى الوقت الذى نريده .
فالآية الكريمة توجيه حكيم من الله - تعالى - لنبيه - ، وتسلية له عما أصابه من أعدائه ، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين }
ثم قال مرشدًا له إلى التِّرْياق النافع في مخالطة الناس ، وهو الإحسان إلى من يسيء ، ليستجلب خاطره ، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة ، فقال : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } ، وهذا كما قال في الآية الأخرى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34 ، 35 ] : أي ما يلهم هذه الوصية أو الخصلة{[20656]} أو الصفة { إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا } أي : على أذى الناس ، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح ، { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي : في الدنيا والآخرة .
{ ادفع بالتي هي أحسن السيئة } وهو الصفح عنها والإحسان في مقابلتها لكن بحيث لم يؤد إلى وهن في الدين . وقيل هي كلمة التوحيد والسيئة الشرك . وقيل هو الأمر بالمعروف والسيئة المنكر وهو أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة لما فيه من التنصيص على التفصيل . { نحن أعلم بما يصفون } بما يصفونك به أو بوصفهم إياك على خلاف حالك وأقدر على جزائهم فوكل إلينا أمرهم .
وقوله { ادفع بالتي هي أحسن } الآية أمر بالصفح ومكارم الأخلاق وما كان منها ، لهذا فهو حكم باق في الأمة أبداً{[8539]} وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال ، وقوله { نحن أعلم بما يصفون } يقتضي أنها آية موادعة ، وقال مجاهد «الدفع بالتي هي أحسن » هو السلام يسلم عليه إذا لقيه ، وقال الحسن : والله لا يصيبها أحد حتى يكظم غيظه عما يكره .
قال الفقيه الإمام القاضي : هذه الطرفان{[8539]} وفي هذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم أي اشتغل بهذا وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.