روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96)

{ ادفع بالتي هي أَحْسَنُ } أي ادفع بالحسنة التي هي أحسن الحسنات التي يدفع بها { السيئة } بأن تحسن إلى المسيء في مقابلتها ما استطعت ، ودون هذا في الحسن أن يحسن إليه في الجملة ، ودونه أن يصفح عن إساءته فقط ، وفي ذلك من الحث له صلى الله عليه وسلم إلى ما يليق بشأنه الكريم من حسن الأخلاق ما لا يخفى ، وهو أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة لمكان { أَحْسَنُ } والمفاضلة فيه على حقيقتها على ما ذكرنا وهو وجه حسن في الآية ، وجوز أن تعتبر المفاضلة بين الحسنة والسيئة على معنى أن الحسنة في باب الحسنات أزيد من السيئة في باب السيئات ويطرد هذا في كل مفاضلة بين ضدين كقولهم : العسل أحلى من الخل فإنهم يعنون أنه في الأصناف الحلوة أميز من الخل في الأصناف الحامضة ، ومن هذا القبيل ما يحكى عن أشعب الماجن أنه قال : نشأت أنا والأعمش في حجر فلان فما زال يعلو وأسفل حتى استوينا فإنه عن استواءهما في بلوغ كل منهما الغاية حيث بلغ هو الغاية في التدلي والأعمش الغاية في التعلي ، وعلى الوجهين لا يتعين هذا الأحسن وكذا السيئة .

وأخرج ابن أبي حاتم . وأبو نعيم في «الحلية » عن أنس أنه قال في الآية : يقول الرجل لأخيه ما ليس فيه فيقول : إن كنت كاذباً فأنا أسأل الله تعالى أن يغفر لك وإن كنت صادقاً فأنا أسأل الله تعالى أن يغفر لي .

وقيل : التي هي أحسن شهادة أن لا إلهإلا الله والسيئة الشرك ، وقال عطاء . والضحاك : التي هي أحسن السلام والسيئة ، وقيل : الأول الموعظة والثاني المنكر ، واختار بعضهم العموم وأن ما ذكر من قبيل التمثيل ، والآية قيل : منسوخة بآية السيف ، وقيل : هي محكمة لأن الدفع المذكور مطلوب ما لم يؤد إلى ثلم الدين والإراء بالمروءة { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } أي بوصفهم إياك أو بالذي يصفونك به مما أنت بخلافه ، وفيه وعيد لهم بالجزاء والعقوبة وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإرشاد له عليه الصلاة والسلام إلى تفويض أمره إليه عز وجل ، والظاهر من هذا أن الآية آية موادعة فافهم .

ومن باب الإشارة : { ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ السيئة } [ المؤمنون : 96 ] فيه من الأمر بمكارم الأخلاق ما فيه