الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال الله عز وجل يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على الأذى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم {نحن أعلم بما يصفون} من الكذب.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه: ادفع يا محمد بالخَلّة التي هي أحسن، وذلك الإغضاء والصفح عن جهلة المشركين والصبر على أذاهم، وذلك أمره إياه قبل أمره بحربهم. وعنى بالسيئة: أذى المشركين إياه وتكذيبهم له فيما أتاهم به من عند الله، يقول له تعالى ذكره: اصبر على ما تلقى منهم في ذات الله...

"نَحْنُ أعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ" يقول تعالى ذكره: نحن أعلم بما يصفون الله به، وينحَلُونه من الأكاذيب والفِرية عليه، وبما يقولون فيك من السوء، ونحن مجازوهم على جميع ذلك، فلا يحزُنْك ما تسمع منهم من قبيح القول.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يخرج قوله: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة}؛ على وجهين: أحدهما: أي لا تكافئهم لأذاهم إياك، ولا تشتغل بهم بمجازاة ذلك، ولكن ادفع بالتي هي أحسن، وَكِلْ مكافأتهم إلي حين أنا أكافئهم،

و {نحن أعلم بما تصفون} من الكذب والأذى الذي يؤذونك.

والثاني: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} أي ادفع سيئاتهم المتقدمة بإحسان يكون منك إليهم ليكونوا لك أولياء وإخوانا في حادث الأوقات، وهو كقوله: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} (فصلت: 34).

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

معناه: قابل أعداءك بالنصيحة وأولياءك بالموعظة، وهذا وإن كان خطاباً له عليه السلام فالمراد به جميع الأمة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

هو أبلغ من أن يقال: بالحسنة السيئة لما فيه من التفضيل، كأنه قال: ادفع بالحسنى السيئة. والمعنى: الصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان، حتى إذا اجتمع الصفح والإحسان وبذل الاستطاعة فيه: كانت حسنة مضاعفة بإزاء سيئة. وهذه قضية قوله: {بالتي هِي أَحْسَنُ}. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي شهادة إن لا إله إلاّ الله. والسيئة: الشرك. وعن مجاهد: السلام: يسلم عليه إذا لقيه. وعن الحسن: الإغضاء والصفح. وقيل: هي منسوخة بآية السيف. وقيل: محكمة؛ لأنّ المداراة محثوث عليها ما لم تؤدّ إلى ثلم دين وإزراء بمروءة {بِمَا يَصِفُونَ} بما يذكرونه من أحوالك بخلاف صفتها، أو بوصفهم لك وسوء ذكرهم، والله أعلم بذلك منكم وأقدر على جزائهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أمر بالصفح ومكارم الأخلاق وما كان منها، لهذا فهو حكم باق في الأمة أبداً وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال،... وفي هذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي اشتغل بهذا وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ادفع} وفخم الأمر بالموصول لما فيه من الإيهام المشوق للبيان ثم بأفعل التفضيل فقال: {بالتي هي أحسن} أي من الأقوال والأفعال بالصفح والمداراة {السيئة} ثم خفف عنه ما يجد من ثقلها بقوله: {نحن أعلم} أي من كل عالم {بما يصفون} في حقك وحقنا، فلو شئنا منعناهم منه أو عاجلناهم بالعذاب وليس أحد بأغير منا فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

هذا من مكارم الأخلاق، التي أمر الله رسوله بها فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} أي: إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، ومن مصالح ذلك، أنه تخف الإساءة عنك، في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب...

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} أي: بما يقولون من الأقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق، قد أحاط علمنا بذلك، وقد حلمنا عنهم، وأمهلناهم، وصبرنا عليهم، والحق لنا، وتكذيبهم لنا، فأنت -يا محمد- ينبغي لك أن تصبر على ما يقولون، وتقابلهم بالإحسان، هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر، وأما المسيء من الشياطين، فإنه لا يفيد فيه الإحسان، ولا يدعو حزبه إلا ليكونوا من أصحاب السعير.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما أنبأ الله رسوله عليه الصلاة والسلام بما يلمح له بأنه منجز وعيده من الذين كذبوه فعلم الرسولُ والمسلمون أن الله ضمن لهم النصر أعقب ذلك بأن أمره بأن يدفع مكذبيه بالتي هي أحسن وأن لا يضيق بتكذيبهم صدره فذلك دفع السيئة بالحسنة كما هو أدب الإسلام...

وقوله: {نحن أعلم بما يصفون} خبر مستعمل كناية عن كون الله يعامل أصحاب الإساءة لرسوله بما هم أحقاء به من العقاب لأن الذي هو أعلم بالأحوال يُجري عمله على مناسب تلك الأحوال بالعدل وفي هذا تطمين لنفس الرسول صلى الله عليه وسلم.

وحذف مفعول {يصفون} وتقديره: بما يصفونك، أي مما يضيق به صدرك. وذلك تعهد بأنه يجازيهم على ما يعلم منهم قرُب أحد يبدو منه السوء ينطوي ضميره على بعض الخير فقد كان فيهم من يحدب على النبي في نفسه، ورب أحد هو بعكسه كما قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام} [البقرة: 204].

و {التي هي أحسن} مراد بها الحسنة الكاملة... والتخلق بهذه الآية هو أن المؤمن الكامل ينبغي له أن يفوض أمر المعتدين عليه إلى الله فهو يتولى الانتصار لمن توكل عليه، وأنه إن قابل السيئة بالحسنة كان انتصار الله أشفى لصدره وأرسخ في نصره، وماذا تبلغ قدرة المخلوق تجاه قدرة الخالق، وهو الذي هزم الأحزاب بلا جيوش ولا فيالق.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

والتعبير ب أفعل التفضيل معناه أن يتخير خير ما يدفع به سفه القول، وحمق الفعال من سخرية واستهزاء وتهكم بدعوته، وبالذين معه من ذكرهم بالسوء وإيذائهم وتعذيبهم، ورد الإساءة بالأمر الحسن فضيلة ذوي السلام من الرجال الصابرين...

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}، أي نحن نعلم علما ليس فوقه علم بالأوصاف التي يصفونك بها أنت وأصحابك، فلا تأخذك هذه الأوصاف إلى أن تعاملهم بمثلها، إنك جئت هاديا داعيا إلى الحق ومرشدا، وما جئت مجافيا ولا معاديا، وبالرفق تدنيهم وبالجفوة والغلظة تقصيهم، فألفهم، ولا تخاصمهم، وأحمق الدعاة من يوجد خصومة بينه وبين من يدعوهم، فتثور أعصابهم لتقاوم دعوته،

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

ثم قال مخاطبا لنبيه الأمين: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} يوجه رسوله الوجهة المثلى في الدعوة إلى الله، ولو كان المدعوون المتمردون عليه أحيانا مضرب المثل في السماجة والبذاءة وسوء اللهجة، فيدعوه إلى الصفح عنهم والإحسان إليهم، ودفع مقالاتهم وخصالهم السيئة بأحسن الحسنات وأفضلها، تبعا للمقامات والظروف، إذ الحسنات نفسها تتفاضل فيما بينها، فقد تدفع السيئة بمجرد الصفح والإغضاء، ويقنع في دفعها بذلك، وقد يزاد على الصفح حسنة الإكرام، وقد يضاعف الإكرام بالمبالغة فيه درجة فوق درجة، فهذه الأنواع من الدفع كلها دفع بالتي هي أحسن، وقد ورد الأمر بنفس هذا المعنى في آية أخرى إذ قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقيها} أي ما يلهم هذه الخصلة {إلا الذين صبروا، وما يلقيها إلا ذو حظ عظيم} [الصافات: 34، 35].

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ادْفَعْ بالتي هي أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} فتلك هي مهمتك، وذلك هو دورك ومسؤوليتك، فليست القصة قصة صراعٍ يتسابق فيه المتصارعون ليغلب أحدهم الآخر أو يهزمه أو يسقطه أو يحطّمه، بل هي قصة هداية ينطلق فيها الرساليون، ليفتح أحدهم قلب الآخر وعقله وروحه وضميره وحياته على الحق النازل من الله، ولذلك لا بد من أن لا يخضع الموقف لرد الفعل الذي يقابل السيئة بالسيئة، لتكون التهمة في مواجهة التهمة، والشتيمة في مقابل الشتيمة وما إلى ذلك، لأن ذلك سوف يزيد الموقف تعقيداً، ويؤدي إلى ابتعاد المواقع عن بعضها البعض، وانغلاق القلوب عن وحي الرسالة، ولذا كان لا بد من مقابلة السيئة بالحسنة، لتكون الكلمة الحلوة في مواجهة الكلمة المرّة، وليكون الأسلوب الطيب في مواجهة الأسلوب الخبيث، والقلب المفتوح في مواجهة القلب المغلق، والبسمة في مقابل العبوس.. وهكذا.. حتى يمتص هذا الجو كله المليء بالسلبيات والتعقيدات والمشاكل الصعبة. ثم ماذا بعد ذلك؟ فليهتد من يهتدي، أو فليضلّ من يضلّ، لأن ذلك ليس مشكلتك، بل هي مشكلتهم. فإذا أدّيت واجبك وقمت بمسؤوليتك، انتهى دورك {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} ونحن نتكفّل بهم وبحسابهم في كل ما قابلوك به من الإساءة، وفي كل ما تمرّدوا به على الله،

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ يأمر الله الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باتّباع سياسة اللين في الدعوة إلى الهدى ودين الحقّ يأمره بأن يدفع عدوانهم وسيّئاتهم بالعفو والصفح والإحسان، وكلامهم البذي بالكلام المنطقي الموزون.