{ وإذا البحار سجرت } قرأ أهل مكة والبصرة بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد ، قال ابن عباس : أوقدت فصارت ناراً تضطرم ، وقال مجاهد ومقاتل : يعني فجر بعضها في بعض ، العذب والملح ، فصارت البحور كلها بحراً واحداً . وقال الكلبي . ملئت ، وهذا أيضاً معنى قوله : { والبحر المسجور } ( الطور- 6 ) ، والمسجور : المملوء ، وقيل : صارت مياهها بحراً واحداً من الحميم لأهل النار . وقال الحسن : يبست ، وهو قول قتادة ، قال : ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة . وروى أبو العالية عن أبي بن كعب ، قال : ست آيات قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت ، وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير والوحش ، وماج بعضهم في بعض ، فذلك قوله : { وإذا الوحوش حشرت } اختلطت ، { وإذا العشار عطلت } { وإذا البحار سجرت } قال : قالت الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر : فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج ، قال : فبينما هم كذلك إذ تصعدت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم .
وقوله : { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } قال ابن جرير : حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن عُلَية ، عن داود ، عن سعيد بن المسيب قال : قال علي ، رضي الله عنه ، لرجل من اليهود : أين جهنم ؟ قال : البحر . فقال : ما أراه إلا صادقا . { وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ } [ الطور : 6 ] ، { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [ مخففة ] {[29750]} {[29751]} .
وقال ابن عباس وغير واحد : يرسل الله عليها الدّبور فتسعرها ، وتصير نارًا تأجج ، وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله : { وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ }
وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا أبو طاهر ، حدثني عبد الجبار بن سليمان أبو سليمان النفاط - شيخٌ صَالِح يُشبهُ مالكَ بن أنس - عن معاوية بن سعيد قال : إن هذا البحر بركة - يعني بحر الرُّوم - وسط الأرض ، والأنهار كلها تصب فيه ، والبحر الكبير يصب فيه ، وأسفله آبار مطبقة بالنحاس ، فإذا كان يوم القيامة أسجر .
وهذا أثر غريب عجيب . وفي سنن أبي داود : " لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز ، فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا " الحديث ، وقد تقدم الكلام عليه في سورة " فاطر " {[29752]} .
وقال مجاهد ، والحسن بن مسلم : { سُجِّرَت } أوقدت . وقال الحسن : يبست . وقال الضحاك ، وقتادة : غاض ماؤها فذهب ولم يبق فيها قطرة . وقال الضحاك أيضا : { سُجِّرَتْ } فجرت . وقال السدي : فتحت وسيرت . وقال الربيع بن خُثَيم{[29753]} { سُجِّرَتْ } فاضت .
و «تسجير البحار » ، قال قتادة والضحاك معناه : فرغت من مائهاه وذهب حيث شاء الله وقال الحسن : يبست ، وقال الربيع بن خيثم معناه : ملئت ، وفاضت وفجرت من أعاليها ، وقال أبي بن كعب وابن عباس وسفيان ووهب وابن زيد : معناه : أضرمت ناراً كما يسجر التنور{[11647]} ، وقال ابن عباس : جهنم في البحر الأخضر ، ويحتمل أن يكون المعنى ملكت ، وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض بسبب الهول فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب{[11648]} ، وقيل : هذه مجاز في جهنم ، تسجر يوم القيامة وقد تقدم تظير هذه الأقوال منصوصة لأهل العلم في تفسير قوله تعالى : { والبحر المسجور }{[11649]} [ الطور : 6 ] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «سجِرت » بتخفيف الجيم ، وقرأ الباقون : بشدها ، وهي مترجحة بكون البحار جميعاً كما قال : { كتاباً يلقاه منشوراً }{[11650]} [ الإسراء : 13 ] ، وكما قال : { صحفاً منشرة }{[11651]} [ المدثر : 52 ] ، ومثله { قصر مشيد }{[11652]} [ الحج : 45 ] و { بروج مشيدة }{[11653]} [ النساء : 78 ] ، لأنها جماعة ، وذهب قوم من الملحدين إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند موته{[11654]} ، والشمس نفسه والنجوم عيناه وحواسه ، والعشار ساقاه ، وهذا قول سوء وخيم غث ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب الله تعالى
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.