قوله تعالى : { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب } جمع سوار { ولؤلؤاً } قرأ أهل المدينة وعاصم ( ( ولؤلؤاً ) ) هاهنا وفي سورة الملائكة بالنصب وافق يعقوب هاهنا على معنى ويحلون لؤلؤاً ، ولأنها مكتوبة في المصاحف بالألف ، وقرأ الآخرون : بالخفض عطفاً على قوله : ( ( من ذهب ) ) ، وترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو جعفر وأبو بكر ، واختلفوا في وجه إثبات الألف فيه ، فقال أبو عمرو : أثبتوها فيها كما أثبتوا في : قالوا وكانوا . وقال الكسائي : أثبتوها للهمزة ، لأن الهمزة حرف من الحروف { ولباسهم فيها حرير } أي : يلبسون في الجنة ثياب الإبريسم وهو الذي حرم لبسه في الدنيا على الرجال .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، أنبأنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، عن قتادة ، عن داود السراج ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه الله إياه في الآخرة ، فإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو " .
ولكن القرآن كعادته فى قرن الترهيب بالترغيب . لا يترك النفوس فى هذا الفزع ، بل يتبع ذلك بما يمسح عنها خوفها ورعبها عن طريق بيان حسن حال المؤمنين فيقول : { إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار . . . } .
وغير - سبحانه - الأسلوب فلم يقل : والذين آمنوا على سبيل العطف على الذين كفروا . . . تعظيم لشأن المؤمنين ، وإشعار بمباينة حالهم لحال خصمائهم الكافرين .
أى : إن الله - تعالى - بفضله وإحسانه يدخل عباده الذين آمنوا وعملوا فى دنياهم الأعمال الصالحات ، جنات عاليات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار .
وقوله { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } بيان لما ينالون فى تلك الجنات من خير وفير ، وعطاء جزيل .
أى : يتزينون فى تلك الجنات بأساور كائنة من الذهب الخالص ، ومن اللؤلؤ الثمين ، أما لباسهم الدائم فيها فهو من الحرير الناعم الفاخر .
قال الآلوسى : وقوله - تعالى - : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } غير الأسلوب حيث لم يقل ويلبسون فيها حريرا ، للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غنى عن البيان . . . ثم إن الظاهر أن هذا الحكم عام فى كل أهل الجنة ، وقيل هو باعتبار الأغلب ، لما أخرجه النسائى وابن حيان وغيرهما عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة . وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه " .
لما أخبر تعالى عن حال أهل النار ، عياذًا بالله من حالهم ، وما هم فيه من العذاب والنَّكال والحريق والأغلال ، وما أعد لهم من الثياب من النار ، ذكر حال أهل الجنة - نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخلنا الجنة - فقال : { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : تتخَرّق في أكنافها وأرجائها وجوانبها ، وتحت أشجارها وقصورها ، يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا ، { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } من الحلية ، { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا } أي : في أيديهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : " تبلغ الحِلْيَة من المؤمن حيث يبلغ الوُضُوء " {[20097]} .
وقال كعب الأحبار : إن في الجنة ملكًا لو شئت أن أسميه لسميتُه ، يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة ، لو أبرز قُلْب منها - أي : سوار منها - لرد شعاع الشمس ، كما ترد{[20098]} الشمس نور القمر .
وقوله : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } : في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم ، لباس هؤلاء من الحرير ، إستبرقه وسُنْدُسه ، كما قال : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا . إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا } [ الإنسان : 21 ، 22 ] ، وفي الصحيح : " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا ، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " {[20099]} .
قال عبد الله بن الزبير : ومن لم يلبس الحرير في الآخرة ، لم يدخل الجنة ، قال الله تعالى : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوَاْ إِلَى الطّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوَاْ إِلَىَ صِرَاطِ الْحَمِيدِ } .
يقول تعالى ذكره : وأما الذين آمنوا بالله بالله ورسوله فأطاعوهما بما أمرهم الله به من صالح الأعمال ، فإن الله يُدخلهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار ، فيحلّيهم فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلُؤْلُؤا فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة نصبا مع التي في الملائكة ، بمعنى : يحلون فيها أساور من ذهب ولؤلؤا ، عطفا باللؤلؤ على موضع الأساور لأن الأساور وإن كانت مخفوضة من أجل دخول «مِنْ » فيها ، فإنها بمعنى النصب قالوا : وهي تعدّ في خط المصحف بالألف ، فذلك دليل على صحة القراءة بالنصب فيه . وقرأت ذلك عامة قرّاء العراق والمصرين : «وَلُؤْلُؤٍ » خفضا عطفا على إعراب الأساور الظاهر .
واختلف الذي قرءوا ذلك كذلك في وجه إثبات الألف فيه ، فكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لي عنه يقول : أثبتت فيه كما أثبتت في «قالوا » و «كالوا » . وكان الكسائي يقول : أثبتوها فيه للهمزة ، لأن الهمزة حرف من الحروف .
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، متفقتا المعنى صحيحتا المخرج في العربية فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
وقوله : وَلِباسُهُمْ فيها حَرِيرٌ يقول : ولبوسهم التي تلي أبشارهم فيها ثياب حرير .
هذه الآية معادلة لقوله : { فالذين كفروا } [ الحج : 19 ] وقرأ الجمهور «يُحلون » بضم الياء وشد اللام من الحلي ، وقرأ ابن عباس «يَحلَون » بفتح الياء واللام وتخفيفها ، يقال حلي الرجال وحليت المرأة إذا صارت ذات حلي وقيل هي من قولهم لم يحل فلان بطائل{[8335]} ، و { من } في قوله { من أساور } هي لبيان الجنس ويحتمل أن تكون للتبعيض ، و «الأساور » جمع سوار وإسوار بكسر الهمزة ، وقيل { أساور } جمع أسورة وأسورة جمع سوار ، وقرأ ابن عباس من «أسورة من ذهب » ، و «اللؤلؤ » الجوهر وقيل صغاره وقيل كباره والأشهر أنه اسم للجوهر ، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر{[8336]} «ولؤلؤاً » بالنصب عطفاً على موضع الأساور لأن التقدير يحلون أساور ، وهي قراءة الحسن والجحدري وسلام ويعقوب والأعرج وأبي جعفر وعيسى بن عمر ، وحمل أبو الفتح نصبه على إضمار فعل ، وقرأ الباقون من السبعة و «لؤلؤٍ » بالخفض عطفاً إما على لفظ الأساور ويكون اللؤلؤ في غير الأساور ، وإما على الذهب لأن الأساور أيضاً تكون «من ذهب » و «لؤلؤ » قد جمع بعضه إلى بعض ، ورويت هذه القراءة عن الحسن بن أبي الحسن وطلحة وابن وثاب والأعمش وأهل مكة ، وثبتت في الإمام ألف بعد الواو قاله الجحدري ، وقال الأصمعي : ليس فيها ألف ، وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم همز الواو الثانية دون الأولى ، وروى المعلى بن منصور عن أبي عن عاصم ضد ذلك ، قال أبو علي : همزهما وتخفيفهما وهمز إحداهما دون الأخرى جائز كله ، وقرأ ابن عباس «ولئلئاً » بكسر اللامين ، وأخبر عنهم بلباس الحرير لأنها من أكمل حالات الآخرة ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة »{[8337]} وقال ابن عباس : لا تشبه أمور الآخرة أمور الدنيا إلا في الأسماء فقط وإما الصفات فمتباينة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر ما أعد الله، عز وجل، للمؤمنين، فقال سبحانه: {إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} يقول: تجري العيون من تحت البساتين.
{يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} أي أساور من لؤلؤ. {ولباسهم فيها حرير}، مما يلي الجسد الحرير، وأعلاه السندس والإستبرق.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وأما الذين آمنوا بالله ورسوله فأطاعوهما بما أمرهم الله به من صالح الأعمال، فإن الله يُدخلهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، فيحلّيهم فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا...
وقوله:"وَلِباسُهُمْ فيها حَرِيرٌ" يقول: ولبوسهم التي تلي أبشارهم فيها ثياب حرير.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... وقال ابن عباس: لا تشبه أمور الآخرة أمور الدنيا إلا في الأسماء فقط وأما الصفات فمتباينة.
ثم إنه سبحانه ذكر حكمه في المؤمنين من أربعة أوجه. أحدها: المسكن، وهو قوله: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار}، وثانيها: الحلية، وهو قوله: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} فبين تعالى أنه موصلهم في الآخرة إلى ما حرمه عليهم في الدنيا من هذه الأمور، وإن كان من أحله لهم أيضا شاركهم فيه؛ لأن المحلل للنساء في الدنيا يسير بالإضافة إلى ما سيحصل لهم في الآخرة. وثالثها: الملبوس وهو قوله: {ولباسهم فيها حرير}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن الله} أي الذي له الأمر كله {يدخل الذين آمنوا} عبر في الإيمان بالماضي ترغيباً في المبادرة إلى إيقاعه {وعملوا الصالحات} تصديقاً لإيمانهم، وعبر بالماضي إشارة إلى أن من عمل الصالح انكشف له ما كان محجوباً عنه من حسنه فأحبه ولم ينفك عنه {جنات تجري} أي دائماً {من تحتها الأنهار} أي المياه الواسعة، أينما أردت من أرضها جرى لك نهر في مقابلة ما يجري من فوق رؤوس أهل النار {يحلون فيها} في مقابلة ما يزال من بواطن الكفرة وظواهرهم {من أساور}. ولما كان مقصودها الحث على التقوى المعلية إلى الإنعام بالفضل، شوّق إليه بأعلى ما نعرف من الحلية فقال: {من ذهب ولؤلؤاً}...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
كان مقتضى الظاهر أن يكون هذا الكلام معطوفاً بالواو على جملة {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} [الحج: 19] لأنه قسيم تلك الجملة في تفصيل الإجمال الذي في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [الحج: 19] بأن يقال: والذين آمنوا وعملوا الصالحات يُدخلهم الله جنات... إلى آخره. فعدل عن ذلك الأسلوب إلى هذا النظم لاسترعاء الأسماع إلى هذا الكلام إذا جاء مبتدأ به مستقلاً مفتتحاً بحرف التأكيد ومتوّجاً باسم الجلالة، والبليغ لا تفوته معرفة أنّ هذا الكلام قسيم للذي قبله في تفصيل إجمال {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [الحج: 19] لوصف حال المؤمنين المقابل لحال الذين كفروا في المكان واللباس وخطاب الكرامة.
فقوله: {يدخل الذين آمنوا} الخ مقابل قوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها} [الحج: 22]. وقوله: {يحلون فيها من أساور من ذهب} يقابل قوله {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} [الحج: 19]. وقوله: {ولباسهم فيها حرير} مقابل قوله: {قطعت لهم ثياب من نار} [الحج: 19]. وقوله: {وهدوا إلى الطيب من القول} مقابل قوله: {وذوقوا عذاب الحريق} [الحج: 22] فإنه من القول النكِد.
والتحليّة: وضع الحَلْي على أعضاء الجسم...
والأساور: جمع أسورة الذي هو جمع سِوار. أشير بجمع الجمع إلى التكثير كما تقدم في قوله: {يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً} في [سورة الكهف: 31].
و (مِن) في قوله {من أساور} زائدة للتوكيد. ووجهه أنه لما لم يعهد تحلية الرجال بالأساور كان الخبر عنهم بأنهم يُحلّون أساور معرّضاً للتردد في إرادة الحقيقة فجيء بالمؤكد لإفادة المعنى الحقيقي، ولذلك ف {أساور} في موضع المفعول الثاني ل {يُحلَّون}...
واللؤلؤ: الدرّ. ويقال له الجمان والجوهر...
ولما كانت التحلية غير اللباس جيء باسم اللباس بعد {يُحَلّون} بصيغة الاسم دون (يلبسون) لتحصيل الدلالة على الثّبات والاستمرار كما دلّت صيغة {يُحَلّون} على أن التحلية متجددة بأصناف وألوان مختلفة، ومن عموم الصيغتين يفهم تحقق مثلها في الجانب الآخر فيكون في الكلام احتباك كأنه قيل: يحلّون بها وحليتهم من أساور من ذهب ولباسهم فيها حرير يلبسونه.
والحرير: يطلق على ما نسج من خيوط الحرير كما هنا.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
فالفريق المؤمن يدخله الله تعالى بسبب إيمانه، ولقد عبر بالموصول، {جنات تجري من تحتها الأنهار} ويجتمع فيها النعيم الحسي، والنفسي، فيكون المنظر البهيج بالأنهار تجري من تحت الجنات، وغرف أهل الجنة، وقد أضاف سبحانه وتعالى الإدخال إليه كأنهم في ضيافته مكرمون، لا يلقون في الجحيم مدحورين معذبين. وهذا أقصى أحوال النعيم الحسي، وقد يقال: كيف يذكر ذلك على أنه من نعيم أهل الجنة، وقد وردت الآثار بأن الذهب والحرير حرام على رجال الأمة، فكيف يذكران على أنهما من نعيم أهل الجنة. والجواب عن ذلك: إن الجنة ليست دار تكليف، إنما هي دار ثواب، ولذا كان فيها أنهار من خمر لذة للشاربين وفوق ذلك أن الجنة فيها نعيم الرجال والنساء، ولا شك أن الأساور واللآلئ والحرير من نعيم النساء، والله سبحانه وتعالى هو المكافئ العلي القدير.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وأوضحت الآيات التالية وضع المؤمنين الصالحين، مستخدمة اُسلوب المقارنة، لتكشف بها عن وضع هاتين المجموعتين، وهنا تستعرض هذه الآيات خمسة أنواع من المكافئات للمؤمنين فخلافاً للمجموعة الأُولى الذين يتقلّبون في نار جهنّم، نجد أنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتمتّعون بنعيم رياض الجنّة على ضفاف الأنهار وهذه هي المكافأة الأُولى، وأمّا لباسهم وزينتهم فتقول الآية: و (يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير). وهاتان مكافئتان يمنّ الله بهما كذلك على عباده العالمين في الجنّة، يهبهم أفخر الملابس التي حرموا منها في الدنيا، ويجملّهم بزينة الأساور التي منعوا عنها في الحياة الأُولى، لأنّها كانت تؤدّي إلى إصابتهم بالغرور والغفلة، وتكون سبباً لحرمان الآخرين وفقرهم. أمّا في الجنّة فينتهي هذا المنع ويباح للمؤمنين لباس الحرير والحلي وغيرها. وبالطبع ستكون للحياة الاُخروية مفاهيم أسمى ممّا نفكّر به في هذه الدنيا الدنيّة، لأنّ مبادىء الحياة ومدلولها يختلفان في الدنيا عمّا هي في الآخرة...