معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (141)

قوله تعالى : { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون } . كرره تأكيداً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (141)

ثم حذر الله - تعالى - أهل الكتاب - في ختام الآيات - من التمادي في الكفر والمعصية ، اتكالا على انتسابهم لآباء كانوا من الأنبياء أو من الصالحين ، فقال تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

{ تِلْكَ } إشارة إلى أمة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط و ( الأمة ) المراد بها هنا الجماعة من الناس الذين يجمعهم أمر واحد وهو هنا الدين ( قد خلت ) أي مضت وانقرضت .

ومعنى الآية الكريمة : قل يا محمد لأهل الكتاب الذين زعموا أن الهداية في ملتهم وأن إبراهيم وآله كانوا هوداً أو نصارى ، قل لهم : إن إبراهيم وآله يمثلون أمة مضت لسبيلها لها عند الله ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر ولا ينفعها غير صالح أعمالها ، ولا يضرها الأمر كذلك بالنسبة لكم فعليكم أن تسلكوا طريق الإيمان والعمل الصالح وأن تتركوا الاتكال على فضائل الآباء والأجداد فإن كل نفس يوم القيامة ستسأل عن أعمالها دون أعمال غيرها ، كما بين ذلك قوله تعالى : { كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } فالمقصد الأول الذي ترمى إليه الآية الكريمة ، هو تحذير المخاطبين من تركهم الإِيمان والطاعة اعتماداً منهم على انتسابهم لآباء كانوا أنبياء أو صالحين ، فإن هذا الاعتماد إنما هو نوع من الأماني الكاذبة والأفكار الفاسدة وقد جاء في الحديث الشريف " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه "

وكأن الآية تقول لأهل الكتاب في تأكيد : إن أمامكم ديناً دعيتم إلى اتباعه ، واقترنت دعوته بالحجة فانظرو في دلائل صحته ، وسمو حكمته ، ولا تردوه بمجرد أن الأنبياء كانوا على ما أنتم عليه الآن ، فإن دعواكم هذه لا تنفعكم ولو في حال تسليمها لكن ، إذ لا يمنع اختلاف الشرائع باختلاف المصالح ، وعلى سحب ما تقتضيه حكمة عالم الغيب والشهادة .

وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد دحضت ما ادعاه اليهود من أن الهدى في اتباع ملتهم ، وأقامت الحجج والشواهد على كذبهم وافترائهم وأرشدتهم إلى الدين الحق ، ودعتهم إلى الدخول فيه ، ووبختهم على المحاجة في دين الله بغير علم ، وحذرتهم من الانحراف عن الصراط المستقيم اعتماداً منهم على آباء لهم كانوا أنبياء أو صالحين ، فإنه لن تجزي نفس عن نفس شيئاً يوم الدين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (141)

124

وحين يصل السياق إلى هذه القمة في الافحام ، وإلى هذا الفصل في القضية ، وإلى بيان ما بين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وبين اليهود المعاصرين من مفارقة تامة في كل اتجاه . . عندئذ يعيد الفاصلة التي ختم بها الحديث من قبل عن إبراهيم وذريته المسلمين :

( تلك أمة قد خلت . لها ما كسبت ولكم ما كسبتم . ولا تسألون عما كانوا يعملون ) . .

وفيها فصل الخطاب ، ونهاية الجدل ، والكلمة الأخيرة في تلك الدعاوى الطويلة العريضة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (141)

تكرير لنظيره الذي تقدم آنفاً لزيادة رسوخ مدلوله في نفوس السامعين اهتماماً بما تضمنه لكونه معنى لم يسبق سماعه للمخاطبين فلم يقتنع فيه بمرة واحدة ومثل هذا التكرير وارد في كلام العرب ، قال لبيد :

فَتَنَازَعَا سَبِطاً يَطِيرُ ظِلاَلُه *** كدُخَانِ مُشْعَلَة يُشَبُّ ضِرَامُها

مَشْمُولةٍ غُلِثَتْ بِنَابتِ عَرْفَجِ *** كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُها

فإنه لما شبه الغبار المتطاير بالنار المشبوبة واستطرد بوصف النار بأنها هبت عليها ريح الشمال وزادتها دخاناً وأوقدت بالعرفج الرطيب لكثرة دخانه ، أعاد التشبيه ثانياً لأنه غريب مبتكر .