اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (141)

اعلم أنه تعالى لما حاجّ اليهود في هؤلاء الأنبياء عقبه بهذه الآية ليكون وعظاً لهم ، وزجراً حتى لا يتّكلوا على فضل الآباء ، فكلّ واحد يؤخذ بعمله .

وأيضاً أنه تعالى لما ذكر حسن طريقة الأنبياء الذين ذكرهم في هذه الآيات بين أن الدليل لا يتم بذلك ، بل كل إنسان مسؤول عن عمله ، ولا عذر له في ترك الحق بأن يتوهم أنه متمسّك بطريقة من تقدم ؛ لأنهم أصابوا أو أخطئوا لا ينفع هؤلاء ولا يضرهم لئلا يتوهم أن طريقة الدين التقليد .

فإن قيل : لم كررت هذه الآية ؟

فالجواب من وجهين :

الأول : قال الجُبَّائي : إنه عنى بالآية الأولى إبراهيم ، ومن ذكر معه ، والثانية أسلاف اليهود .

قال القاضي : هذا بعيد ؛ لأن أسلاف اليهود والنصارى لم يَجْرِ لهم ذكر مصرح ، وموضع الشبهة في هذا القول أن القوم لما قالوا في إبراهيم وبينه : إنهم كانوا هوداً ، فكأنهم قالوا : إنهم كانوا على مثل طريقة أسلافنا من اليهود ، فصار سلفهم في حكم المذكورين فجاز أن يقول : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } ويعنيهم ولكن ذلك كالتعسُّف ، بل المذكور السابق هو إبراهيم وبنوه ، فقوله :{ تلك أمة } يجب أن يكون عائداً إليهم .

الوجه الثاني : أنه متى اختلفت الأوقات والأحوال والمواطن لم يكن التَّكْرار عبثاً ، فكأنه تعالى قال : ما هذا إلا بشر ، فوصف هؤلاء الأنبياء فيما أنتم عليه من الدين لا يسوغ التقليد في هذا [ الجنس ]{[1771]} ، فعليكم بترك الكلام في تلك الأمة ، فلها ما كسبت ، وانظروا فيما دعاكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم فإن ذلك أنفع لكم ، وأعود عليكم ، ولا تُسألون إلا عن عملكم .

قال القرطبي رحمه الله تعالى : كررها ، لأنها تضمّنت معنى التهديد والتخويف ، أي : إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم ، فأنتم أحرى ، فوجب التأكيد فلذلك كررها .


[1771]:- في أ: الدين.