جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (141)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : { تلْكَ أُمّةٌ } إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله تعالى : { تِلْكَ أُمّةٌ } قَدْ خَلَتْ يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .

وقد بينا فيما مضى أن الأمة : الجماعة . فمعنى الآية إذا : قل يا محمد لهؤلاء الذين يجادلونك في الله من اليهود والنصارى إن كتموا ما عندهم من الشهادة في أمر إبراهيم ومن سمينا معه ، وأنهم كانوا مسلمين ، وزعموا أنهم كانوا هودا أو نصارى فكذبوا ، أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط أمة قد خلت أي مضت لسبيلها ، فصارت إلى ربها ، وخلت بأعمالها وآمالها ، لها عند الله ما كسبت من خير في أيام حياتها ، وعليها ما اكتسبت من شرّ لا ينفعها غير صالح أعمالها ، ولا يضرّها إلا سيئها . فاعلموا أيها اليهود والنصارى ذلك ، فإنكم إن كان هؤلاء هم الذين بهم تفتخرون وتزعمون أن بهم ترجون النجاة من عذاب ربكم مع سيئاتكم ، وعظيم خطيئاتكم ، لا ينفعهم عند الله غير ما قدّموا من صالح الأعمال ، ولا يضرّهم غير سيئها فأنتم كذلك أحرى أن لا ينفعكم عند الله غير ما قدمتم من صالح الأعمال ، ولا يضرّكم غير سيئها . فاحذروا على أنفسكم وبادروا خروجها بالتوبة والإنابة إلى الله مما أنتم عليه من الكفر والضلالة والفرية على الله وعلى أنبيائه ورسله ، ودعوا الاتّكال على فضائل الاَباء والأجداد ، فإنما لكم ما كسبتم ، وعليكم ما اكتسبتم ، ولا تُسألون عما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعملون من الأعمال ، لأن كل نفس قدمت على الله يوم القيامة ، فإنما تُسأل عما كسبت وأسلفت . دون ما أسلف غيرها .