محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (141)

{ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون 141 } .

{ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم } فلا يسألون عن أعمالكم { ولا تسألون عما كانوا يعملون } لما ذكر تعالى حسن طريقة الأنبياء المتقدمين ، ولم يدع لهم متمسكا من جهتهم ، أتبع ذلك الإشارة إلى الدين دائر مع أمره في كل زمان . وأنه لا ينفعهم إلا ما يستجدّونه بحكم ما تجدد من المُنْزَل المعجز لكافة أهل الأرض ، أحمرهم وأسودهم . . أي فعليكم بترك الكلام في تلك الأمة . فلها ما كسبت . وانظروا فيما دعاكم إليه خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم فإن ذلك أنفع لكم وأعود عليكم . ولا تُسألون إلا عن عملكم .

قال الراغب : إعادة هذه الآية من أجل أن العادة مستحكمة في الناس ، صالحهم وطالحهم أن يفتخروا بآبائهم ويقتدوا بهم في متحرياتهم . لاسيما في أمور دينهم . ولهذا حكى عن الكفار قولهم : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } {[781]} . فأكد الله تعالى القول في إنزالهم عن هذه الطريقة . وذكر في أثر ما حكى من وصية إبراهيم ويعقوب بنيه بذلك ، تنبيها أن الأمر سواء على ما قلت أو لم يكن . فليس لكم ثواب فعلهم ولا عليكم عقابه . وفي الثاني لما ذكر ادعاءهم اليهودية والنصرانية لآبائهم أعاد أيضا تأكيدا عليهم تنبيها على نحو ما قال : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } {[782]} ، وقوله : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } {[783]} ، وقوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } {[784]} ولما جرت به عادتهم وتفردت به معرفتهم : كل شاة تناط برجليها .


[781]:[43/ الزخرف/ 22] ونصها: {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون 22}.
[782]:[17/ الإسراء/ 13] ونصها: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا 13}.
[783]:[2/ البقرة/ 286] ونصها: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت...}.
[784]:[6/ الأنعام/ 164] ونصها: {قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزو وازرة وزر أخرى...}.