معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

قوله تعالى : { ولقد كذبت رسل من قبلك } ، كذبهم قومهم كما كذبتك قريش .

قوله تعالى : { فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا } بتعذيب من كذبهم . قوله تعالى : { ولا مبدل لكلمات الله } ، لا ناقض لما حكم به ، وقد حكم في كتابه بنصر أنبيائه عليهم السلام ، فقال : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون } [ الصافات : 171 :172 ] ، وقال : { إنا لننصر رسلنا } [ غافر :51 ] وقال : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } [ المجادلة :21 ] ، وقال الحسن بن الفضل : لا خلف لعدته .

قوله تعالى : { ولقد جاءك من نبإ المرسلين } و{ من } صلة كما تقول : أصابنا من مطر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

ثم زاد القرآن فى تعزية النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عن طريق إخباره بما حدث للأنبياء من قبله فإن عموم البلوى مما يخفف وقعها فقال : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ على مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حتى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } .

أى : أن الرسل من قبلك - يا محمد - قد كذبتهم أقوامه وأنزلت بهم الأدى ، فليس بدعا أن يصيبك من أعدائك ما أصاب الأنبياء من قبلك ، ولقد صبر أولئك الأنبياء الكرام على التطاول والسفه فكانت نتيجة صبرهم أن آتاهم الله النصر والظفر ، فعليك - وأنت خاتمهم وإمامهم - أن تصبر كما صبروا حتى تنال ما نالوا من النصر ، فإن سنة الله لا تتخلف فى أى زمان أو مكان .

وجاء قوله - تعالى - { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } مؤكدا بقد وباللام ، للإشارة إلى تأكيد التسلية والتعزية ، وإلى تأكيد التمسك بفضيلة الصبر التى سيعقبها النصر الذى وعد الله به الصابرين .

و { مَا } فى قوله { على مَا كُذِّبُواْ } مصدرية ، { وَأُوذُواْ } معطوف على قوله { كُذِّبَتْ } أى : كذبت الرسل وأوذوا فصبروا على كل ذلك .

وقوله { حتى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } غاية للصبر ، أى : صبروا على التكذيب وما قارنه من الإيذاء إلى أن جاءهم نصرنا وفيه بشارة للنبى صلى الله عليه وسلم مؤكداً للتسلية بأنه - سبحانه - سينصره على القوم الظالمين .

وقوله - تعالى - { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله } معناه : لا مغير لكلمات الله وآياته التى وعد فيها عباده الصالحين بالنصر على أعدائه ، ومن ذلك قوله - تعالى - { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ } وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون } وقوله - تعالى - { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } إلى غير ذلك من الآيات التى بشر فيها عباده المؤمنين بالفلاح وحسن العاقبة .

ويرى المحققون من العلماء أن المراد بكلمات الله : شرائعه ، وصفاته ، وأحكامه ، وسننه فى كونه ، ويدخل فيها دخولا أوليا ما وعد الله به أنبياءه وأولياءه من النصر والظفر . وهذا الرأى أرجح من سابقه لأنه أعم وأشمل .

وإضافة الكلمات إليه - سبحانه - للإشعار باستحالة تبديلها أو تغييرها لأنه - سبحانه - لا يغالبه أحد فى فعل من الأفعال ، ولا يقع منه خلف فى قول من الأقوال ، فما دام المؤمنون يخلصون له العبادة والقول والعمل ويجتهدون فى مباشرة الأسباب واتخاذ الوسائل النافعة ، فإنه - سبحانه - سيجعل العاقبة لهم .

وقوله - تعالى - { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ المرسلين } تأكيد وتقرير لما قبله أى : ولقد جاءك من أخبار المرسلين وأنبائهم - مما قصه عليك فى كتابه - ما فيه العظات والعبر ، فلقد صبر المرسلون على الأذى فكافأهم الله - تعالى - على ذلك بالظفر على أعدائهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

33

ويستطرد من تطييب خاطر الرسول [ ص ] وبيان الأسباب الحقيقية لموقف المكذبين منه ومن دعوته ، ومن آيات الله الناطقة بصدقه وصدق ما جاء به . . يستطرد من هذا إلى تذكيره بما وقع لإخوانه الرسل قبله - وقد جاءه من أخبارهم في هذا القرآن - ثم ما كان منهم من الصبر والمضي في الطريق ، حتى جاءهم نصر الله . ليقرر أن هذه هي سنة الدعوات التي لا تتبدل ، ولا يغير منها اقتراحات المقترحين ، كما أنها لا تستعجل مهما ينزل بالدعاة من الأذى والتكذيب والضيق :

( ولقد كذبت رسل من قبلك ، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ، ولا مبدل لكلمات الله ، ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) . .

إن موكب الدعوة إلى الله موغل في القدم ، ضارب في شعاب الزمن ، ماض في الطريق اللاحب ، ماض في الخط الواصب . . مستقيم الخطي ، ثابت الأقدام . يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل ، ويقاومه التابعون من الضالين والمتبوعون ، ويصيب الأذى من يصيب من الدعاة ، وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء . . والموكب في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا ينكص ولا يحيد . . والعاقبة هي العاقبة ، مهما طال الزمن ومهما طال الطريق . . إن نصر الله دائما في نهاية الطريق :

( ولقد كذبت رسل من قبلك ، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ، ولا مبدل لكلمات الله ، ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) . .

كلمات يقولها الله - سبحانه - لرسوله [ ص ] . . كلمات للذكرى ، وللتسرية وللمواساة ، والتأسية . . وهي ترسم للدعاة إلى الله من بعد رسول الله [ ص ] طريقهم واضحا ، ودورهم محددا ، كما ترسم لهم متاعب الطريق وعقباته ، ثم ما ينتظرهم بعد ذلك كله في نهاية الطريق . . .

إنها تعلمهم أن سنة الله في الدعوات واحدة . كما انها كذلك وحدة . وحدة لا تتجزأ . . دعوة تتلقاها الكثرة بالتكذيب ، وتتلقى أصحابها بالأذى . . وصبر من الدعاة على التكذيب وصبر كذلك على الأذى . . وسنة تجري بالنصر في النهاية . . ولكنها تجيء في موعدها . لا يعجلها عن هذا الموعد أن الدعاة الأبرياء الطيبين المخلصين يتلقون الأذى والتكذيب ، ولا أن المجرمين الضالين والمضلين يقدرون على أذى المخلصين الأبرياء الطيبين ! ولا يعجلها كذلك عن موعدها أن صاحب الدعوة المخلص المتجرد من ذاته ومن شهواته إنما يرغب في هداية قومه حبا في هدايتهم ، ويأسى على ما هم فيه من ضلال وشقوة ، وعلى ما ينتظرهم من دمار وعذاب في الدنيا والأخرة . . لا يعجلها عن موعدها شيء من ذلك كله . فإن الله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه . ولا مبدل لكلماته . سواء تعلقت هذه الكلمات بالنصر المحتوم ، أم تعلقت بالأجل المرسوم .

إنه الجد الصارم ، والحسم الجازم ، إلى جانب التطمين والتسرية والمواساة والتسلية . .

/خ39

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

وقوله { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [ وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ] }{[10661]} هذه تسلية للنبي{[10662]} صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه ، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ووعد له بالنصر كما نصروا ، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة ، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ، ثم جاءهم النصر في الدنيا ، كما لهم النصر في الآخرة ؛ ولهذا قال : { وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } أي : التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين ، كما قال : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] ، وقال تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] .

وقوله : { وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } أي : من خبرهم كيف نُصِروا وأُيدوا على من كذبهم من قومهم ، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة .


[10661]:زيادة من م.
[10662]:في أ: "لمحمد".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

هذه الآية تضمنت عرض الأسوة التي ينبغي الاقتداء بها على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجيته أن يأتيه مثل ما أتاهم من النصر إذا امتثل ما امتثلوه من الصبر ، قال الضحاك وابن جريج :

عزى الله بهذه الآية نبيه ، وروي عن ابن عامر أنه قرأ «وأذوا » بغير واو بعد الهمزة ، ثم قوى ذلك الرجاء بقوله : { ولا مبدل لكلمات الله } أي لا راد لأمره وكلماته السابقات بما يكون ولا مكذب لما أخبر به ، فكأن المعنى فاصبر كما صبروا وانتظر ما يأتي ، وثق بهذا الإخبار فإنه لا مبدل له ، فالقصد هنا هذا الخبر ، وجاء اللفظ عاماً جميع كلمات الله السابقات ، وأما كلام الله عز وجل في التوراة والإنجيل فمذهب ابن عباس أنه لا مبدل لها وإنما حرفها اليهود بالتأويل لا ببدل حروف وألفاظ ، وجوز كثير من العلماء أن يكونوا بدلوا الألفاظ لأنهم استحفظوها وهو الأظهر ، وأما القرآن فإن الله تعالى تضمن حفظه فلا يجوز فيه التبديل ، قال الله تعالى : { وإنا له لحافظون }{[4897]} وقال في أولئك { بما استحفظوا من كتاب الله }{[4898]} وقوله تعالى : { ولقد جاءك من نبأ المرسلين } أي فيما أنزلناه وقصصناه عليك ما يقضي هذا الذي أخبرناك به ، وفاعل { جاءك } مضمر على ما ذهب إليه الطبري والرماني ، تقديره : ولقد جاءك نبأ أو أنباء .

قال القاضي أبو محمد : والثواب عندي في المعنى أن يقدر : جلاء أو بيان{[4899]} . وقال أبو علي الفارسي : قوله { من نبأ المرسلين } ، في موضع رفع ب «جاء » ، ودخل حرف الجر على الفاعل ، وهذا على مذهب الأخفش في تجويزه دخول ( من ) في الواجب ، ووجه قول الرماني أن ( من ) لا تزاد في الواجب .


[4897]:- من الآية (9) من سورة (الحجر) وهي قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
[4898]:- من الآية (44) من سورة (المائدة).
[4899]:- قال أبو حيان بعد أن ذكر كلام ابن عطية: "والذي يظهر لي أن الفاعل مضمر تقديره: هو، ويدل على ما دل عليه المعنى من الجملة السابقة، أي: ولقد جاءك هذا الخبر من تكذيب أتباع الرسل للرسل والصبر والإيذاء إلى أن نصروا، وأن هذا الإخبار هو بعض نبأ المرسلين الذين يُتأسى بهم، و[من نبأ] في موضع الحال، وذو الحال ذلك المضمر، والعامل فيها وفيه [جاءك]".